وهو أوقع في ازدراء شأنهم، فاستانف سبحانه الخبر عنه بقوله :﴿قال ألقوا﴾ أي أنتم أيها السحرة ما تريدون إلقاءه، وهو أمر تعجيز ولما أذن لهم بادروا إلى ذلك كما أفهمه العطف بالفاء في قوله :﴿فلما ألقوا﴾ أي ماأعدوه للسحر ﴿سحروا أعين الناس﴾ أي عن صحة إدراكها حتى خيلوا إليها ما لا على بعض، وبعثوا جماعة ينادون : أيها الناس احذروا ﴿واسترهبوهم﴾ أي وأوجدوا رهبتهم إيجاد راغب فيها طالب لها غاية الطلب ولما قيل ذلك، كان ربما ظن أنهم خافوا مما لا يخاف من مثله، فقال تعالى مبيناً أنهم معذورن في خوفهم :﴿وجاؤوا بسحر عظيم*﴾ قال صاحب كتاب الزينة :
٨٢
والسحر على وجوه كثيرة، منه الأخذ بالعين، ومنه الأخذ بالعين، ومنه ما يفرق به بين المرء وزوجه، ومنه غير ذلك، وأصله ماخوذ من التعليل بالباطل وقلب المر عن وجهه كما ذكرنا من لغة العرب.
ولما تناهى الأمر واشتد التشوق إلى ما صنغ موسى عليه السلام، قال معلماً عنه عطفاً على ﴿وجاءو﴾ :﴿واوحينا﴾ أي مظهرين لعظمتنا على رؤوس الأشهاد بما لا يقدر أحد أن يضاهيه ﴿إلى موسى أن ألق عصاك﴾ أي فالقاها ﴿فإذا هي﴾ من حين إلقائه لها ﴿تلقف﴾ أي تلتقم التقاماً حقيقياً شديداً سريعاً جداً بما دل عليه حذف التاء، ودل على كثرة ما صنعوا بقوله :﴿ما يأفكون*﴾ أي يجدرون حين إلقائهم في نزويره وقلبه عن وجهه، فابتلعت ما كان ملء الوادي من الصيّ والحبال، ثم أخذها موسى عليه السلام فإذا هي كما كانت لم يزيد شيء من مقدارها على ما كانت عليه، وفي هذا السياق المعلم بتثبت موسى السلام بعد عظيم ما رأى من سحرهم إلى الإيحاء إليه بيان لأدبه عليه السلام في ذلك المقام الضنك وسكونه تحت المقاربة مع مرسله سبحانه إلى بروز أوامره الشريفة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٨١


الصفحة التالية
Icon