﴿جاءتنا﴾ لم نتأخر عن معرفة الصدق المصدَّق، وهذا يوجب الإكرام لا الانتقام ؛ ثم آذنوه بأنهم مقدمون على كل ما عساه أن يفعل به فقالوا :﴿ربنا﴾ أي أيها المحسن إلينا القادر على خلاصنا ﴿أفرغ﴾ أي صب غامراً ﴿علينا﴾ أي فيما تهددنا به هذا الذي قويته به ﴿وتوفنا﴾ أي اقبض أرواحنا وافية حال كوننا ﴿مسلمين*﴾ أي عريقين في الانقياد بالظاهر والباطن بدلائل الحق، والظاهر أن الله تعالى اجابهم فيما سألوه تلويحاً بذكر الرب فلم يقدره عليهم لقوله تعالى ﴿أنتما ومن اتبعكما الغالبون﴾ [القصص : ٣٥] ولم يات في خير يعتمد أنه قلتهم، وسياتي في آخر الحديد، عن تاريخ ابن عبد الحكم ما هو صريح في خلاصه ولما قنع في ذلك الوقت الذي بهرت قومه تلك المعجزة الظاهرة بالانفصال على هذا الوجه الذي لم يدع فيه حيلة إلا خيل بها، وخلص موسى عليه السلام بقومه متمكناً منهم بعض المتكن، وكان السياق لبيان أن أكثر الخلق فاسق، أخبر تعالى بما قال قوم فرعون بعدما رأوا من المعجز القاهر دليلاً على ذلك فقال عاطفاً على ﴿وألقي السحرة ساجدين﴾ وما بعده، أو على قول فرعون :﴿وقال الملأ﴾ أي الأشراف ﴿من قوم فرعون﴾ أي ظالين أن فرعون متمكن مما يريد بموسى عليه السلام من الذى منكرين لما وصل إليه الحال من أمر موسى عليه السلام حين فعل ما فعل وآمن به السحرة، وما عمل فرعون شيئاً، لا قتله ولا حبسه، لأنه كان لا يقدرعلى ذلك ولا يعترف به لقومه ﴿أتذر موسى وقومه﴾ ولما كان ما كان في أول مجلس من إيمان السحرة جديراً بأن يجر إليه أمثاله، سموه فساداً وجعلوه مقصوداً لفرعون إحماء له واستغضاباً فقالوا :﴿ليفسدوا﴾ أي يوقعوا الفساد وهو تغير الدين ﴿في الأرض﴾ أي التي هي الأرض كلها، وهي أرضنا هذه أو الأرض كلها، لكون مثل هذا الفعل جديراً برد أهل الأرض كلهم عن عقائدهم ﴿ويذرك وآلهتك﴾ قيل : كان أمر قومه أن يعبدوا الأصنام تقريباً إليه، وقال الإمام.


الصفحة التالية
Icon