ولما كان من الممكن أن يكون الثلاثون هي النهاية، وتكون مفصلة إلى عشرين ثم عشر، أزال هذا الاحتمال - بقوله :﴿فتم ميقات ربه﴾ أي الذي قدره في الأزل لأن يناجيه بعده - بالفاء ﴿أربعين﴾ ولما كانت العشر غير صريحة في الليالي، قال :﴿ليلة﴾ فانتفى أن تكون ساعات مثلاً، وعبر بالميقات لأنه ما قدر فيه عمل من الأعمال، وأما الوقت فزمان الشيء سواء كان مقدراً أم لا، وعبر بالرب إشارة إلى اللطف به والعطف عليه بالرحمة له، والميقات هو الأربعون - قاله الفارسي في الحجة، وقدر انتصاب أربعين ب " معدوداً هذا العدد " كما تقول : تم القوم عشرين، أي معدودين هذا العدد وأجمل سبحانه الأربعين في البقرة لأن المراد بذلك السياق تذكيرهم بالنعم الجسام والمتّ إليهم بالإحسان والإكرام، ليكون ذلك أدعى إلى رجوعهم إلى الإيمان وامكن في نزوعهم عن الكفران بدليل ما سبق قصتهم من قوله :﴿يأيها الناس اعبدوا ربكم﴾ [البقرة : ٢١] ﴿كيف تكفرون بالله﴾ [البقرة : ٢٨ ] وما اكتنفها أولاً وآخراً من قوله :﴿يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم﴾ [البقرة : ٤٠] الآيتين المبدوءبها والمختوم بها، وفصل هنا الأربعين إلى ثلاثين وعشر، لأن المراد بهذا السياق - كما تقدم - بيان كفرهم ومرودهم على خزيهم ومكرهم وأنه لم ينفعهم سؤال المعجزات، ولا أغنى عنهم شيئاً تواتر النعم والآيات، كما كان ذلك في قصص المم الخالية والقرون الماضية ممن ذكر في هذه الصورة استدلالاً - كما تقدم - على أن المفسد أكثر من المصلح - إلى غير ذلك مما أجمل في قوله تعالى :﴿وما أرسلنا في قرية من بني إلا أخذنا أهلها﴾ [الأعراف : ٩٤] إلى آخرة، وتسلية لهذا النبي الكريم وترهيباً لقومه لما وقع لهم من العقاب الأليم، والفصل بين الساقين يدق إلا عن أولي البصائر - والله أعلم، فيكون المراد بتفصيل الأربعين هنا بيان أن إبطاء موسى عليه السلام عما عملوه من المعياد إنما كان لعشرة أيام، فارتكبوا فيها هذه الجريمة التي


الصفحة التالية
Icon