ويتجاوز الحسن إلى القبيح، بل وإلى أقبح القبيح، ومن تركه اهلكته وإن جل آلهوعظمت جنوده وأمواله، قال كالتعليل لذلك :﴿سأوريكم دار الفاسقين*﴾ أي الذين يخرجونعن أوامري إلى ما انهاهم عنه فانصركم عليهم وأمكنكم بفسقهم من رقابهم وأموالهم من الكنعانيين والحاثانيين وغيرهم من سكان الراضي المقدسه لتعلموا أن من أغصبني وترك أمري أمكنت منه، وإنما ذكر الدار لئلا تغرهم منعتها إذا استقروا بها فيظنوا أن لا غالب لهم فيها بوعورة أرضها وشهوق جبالها وإحكام أسوارها، وإذا تأملت ما سيأتي في شرح هذه الآيات من التوراة لاح لك هذا المعنى، وكذا ما ذكر من التوراة عند قوله في المائدة ﴿قل هو أنبئكم بشر من ذلكم مثوبة عند الله﴾ [المائدة : ٦٠] وفي هذه الجملة المختصرة بشارة يإتمام الوعد بنصرتهم عليهم بطاعتهم ونذارة على تقدير معصيتهم، فكأنه قيل : إن أخذوا بالأحسن أريتهم دار الفاسقين، وأتممت عليهم النعمة ما دامو على الشكر، وإن لم ياخذوا اهلكتهم كما أهلك الفاسقين من بين يديهم، فحذرهم لئلا يفعلوا افعالهم إذا استقرت بهم الدار، وزالت عنهم الكدار، ويؤيد كون المراد القدس لا مصر وبعث موسى عليه السلام، ولا ينفي ذلك تاحتمال مصر أيظاً - الله أعلم ولما انقضى ذلك، كان كأنه قيل : وكيف يختار عاقل ذلك ؟ فكيف بمن رأى الآيات وشاهد المعجزات ؟ فقال :﴿ساصرف عن آياتي﴾ أي المسموعة والمرئية على عظمتها بما أشارت إليه الإضافة بالصرف عن فهمها واتباعها والقدرة على الطعن فيها بما يؤثر في إبطالها ﴿الذين يتكبرون﴾ أي يطلبون الكبر بما ليس لهم ويعملون قواهم فيه ﴿في الأرض﴾ أي جنسها الذي امرت بالتواضع فيه ولما كان من رفعه الله بصفة فاضلة فوضع نفسه موضعها ولم يهنها نظراً لما أنعم الله به عليه ومنحه إياه ربما سمى ذلك كبراً، وربما سمى طلبه لتلك الأخلاق التي توجب رفعته تكبراً، وليس كذلك وإن وافقه في الصورة، لمفارقتها له في المعنى فإنه صيانه النفس عن الذل، وهو


الصفحة التالية
Icon