أتممنا بها الأربعين ﴿من حليهم﴾ أي التي كانت معهم من مالهم ومما استعاروه من القبط ﴿عجلاً﴾ ولما كان العجل اسماً لولد البقر، بين أنه إنما يشبه صورته فقط، فقال مبدلاً منه :﴿جسداً﴾ ولما كان الإخبار جسد مفهماً لأنه خال مما يشبه الناشىء عن الروحم، قال ﴿له خوار﴾ أي صوت كصوت البقر، والمعنى أنه لا أضل ولا أعمى من قوم كان معهم حلي أخذوه ممن كانوا يستعبدونهم ويؤذونهم وهم مع ذلك أكفر الكفرة فكان جديراً بالبغض لكونه من آثار الظالمين الأعداء فاعتقدوا انه بالصوغ صار إلها ً وبالغوا في حبه والعبودية له وهو جسد يرونه ويلمسونه، ونبيهم الذي هداهم الله به واصطفاه لكلامه يسأل رؤية الله فلا يصل إليها.
ولما لم يكن في الكلام نص باتخاذه إلهاً، دل على ذلك بالإنكار عليهم في قوله :﴿ألم يروا﴾ أي الذين اتخذوا إلهاً ﴿أنه لا يكلمهم﴾ أي كما كلم الله مسى عليه السلام ﴿ولا يهديهم سبيلا﴾ كما هداهم الله تعالى إلى سبيل النجاة، منها سلوكهم في البحر الذي كان سبباً لإهلاك عدوهم كما كان سبباً لنجاتهم ؛ قال أبو حيان : سلب عنه هذين الوصفين دون باقي أوصاف الإلهية لأن انتقاء التكلم يستلزم انتفاء العلم، وانتفاء الهداية إلى سبيل يستلزم انتفاء القدرة، وانتفاء هذين الوصفين يستلزم انتفاء باقي الأوصاف.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١٠
ولما كان هذا امراً عظيماً جداً مستعبد الوقوع ولا سيما من قوم نبيهم بينهم ولا سيما وقد أراهم من النعم والآيات ما ملات أنواره الآفاق، كان جديراً بالتأكد فقال تعالى :﴿اتخذوه﴾ أي بغاية الجد والنشاط والشهوة ﴿وكانوا﴾ أي جلبة وطبعاً مع ما أثبت لهم من النوار ﴿ظالمين *﴾ أي حالهم حال من يمشي في الظلام، أو أن المقصود أن الظلم وصف لهم لازم، فلا بدع إذا فعلوا امثال ذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١١٠


الصفحة التالية
Icon