على صحة وصف هذا الرسول بالنبي، فإن من علم هذه الدقائق من اخبارهم مع كونه أمياً ولم يخلط أحداً من أخبارهم، كان صادقاً عن علام الغيوب من غير مؤيد وكذا ما بعده ولما ذكر ما حباهم في القفار، أتبعه إنعامه عليهم عند الوصول إلى الدار فقال :﴿وإذا﴾ أي اذكر لهم هذا ليصدقوك أو يصيروا في غاية الظلم كأصحاب السبت فيتو قعوا مثل عذابهم، واذكر لهم ما لم تكن حاضره ولا اخذته عنهم، وهو وقت إذ، وعدل عن الإكرام بالخطاب ونو العظمة، لأن السياق للأسراع في الكفر فقال :﴿قيل لهم اسكنوا﴾
١٣٨
أي ادخلوا مطمئنين على وجه الإقامة، ولا يسمى ساكناً إلا بعد التوطن بخلاف الدخول، فإنه يكون بمجرد الولوج في الشيء على أيّ وجه كان ﴿هذه القرية﴾ فهو دليل آخر على الأمرين : الصرف والصدق ؛ وعبر هنا بالمجهول في ﴿قيل﴾ إعراضاً عن تلذيذهم بالخطاب إيذاناً بأن هذا السياق للغضب عليهم بتساقطهم في الكفر وإعراضهم عن الشكر، من ايّ قائل كان وبأيّ صيغة ورد القول وعلى أيّ حالة كان، وإظهار للعظمة حيث كانت، أ]نى إشارة منه كافية في سكناهم في البلاد واستقرارهم فيها قاهرين لأهلها الذين ملؤوا قلوبهم هيبة حتى قالوا ﴿إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها﴾ [المائدة : ٢٤] ولما خلت نعمة الأكل في هذا السياق عما دعا إليه سياق البقرة من التعقيب وهو الاستعطاف، ذكرت بالواو الدالة على مطلق الجمع، وهي لا تنافي تلك، فقال :﴿وكلوا منها﴾ أي القرية ﴿حيث شئتم﴾ وأسقط الرغد لذلك، وقدم ﴿وقولوا حطة﴾ ليكون أول قارع للسمع مما أمروا به من العبادة مشعراً بعظيم ما تحملوه من الآثام إيذاناًُ بما سقيت له هذه القصص في هذه السورة المقام.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٣٧


الصفحة التالية
Icon