ولما أخبر أن الفسق ديدنهم، أكده بقوله عطفاً على ﴿إذ يعدون﴾ [الأعراف ١٦٣] ﴿وإذ﴾ أي واسألهم عن خبرهم حين ﴿قالت أمة منهم﴾ أي جماعة ممن يعتبر ويقصد من الواعظين الصالحين الذين وعظوا حتى أيسوا لأمة أخرى منهم لا يقلعون عن الوعظ تخوفاً للموعوظين بما ينجاوزن به ﴿لم تعظون قوماً﴾ أي معتمدين على قوتهم ﴿الله﴾ أي الذي له الملك كله ﴿مهلكهم﴾ أي لا محالة لأنهم لا ينتهون عن الفساد ولا يتعظون بالمواعظ ﴿أو معذبهم عذاباً شديداً﴾ أي بعظيم ما يرتكبوه وتماديهم فيه ﴿قالوا﴾ أي الأمة الأخرى من الواعظين : وعظنا ﴿معذرة إلى ربكم﴾ أي المحسن إليكم بالحفظ عما وقعوا فيه من الذنب والإقبال على الوعظ حتى إذا سئلنا عن أمرنا في عصيانهم نقول : فعلنا في أمرهم جهدنا، هذا إن لم يرجعوا ﴿ولعلهم يتقون*﴾ أي وليكون حالهم حال من يرجى خوفه لله فيرجع عن غيه ولما تراجعوا بهذا الكلام ليكون زاجراً للعاصين فلم يرجعوا، أخبر أنه صدق ظنهم بإيقاع الأمرين معاً : العذاب الشديد والإهلاك فقال :﴿فلما نسوا ما ذككوا به﴾ أى فعلوا في اعراضهم عنه فعل الناسي وتركوه ترك المنسيّ، وهو أن الله لا يهملهم كما أن الإنسان لا يمكن أن يهمل أحداً تحت يده، ليفعل ما يشاء من غير اعتراض ﴿أنجينا﴾ أيب بعظمتنا ﴿الذين ينهون﴾ أي استمروا على النهي ﴿بعذاب بئيس*﴾ أي شديد جداً ﴿بما كانوا﴾ أي جبلة وطبعلاً ﴿يفسقون*﴾ أي بسبب استمرارهم على تجديد الفسق ولما ذكر ما هددهم بهمن العذاب الشديد، أتبعه الهلاك فقال :﴿فلما عتوا﴾ أي تكبروا جلافة ويبساً عن الانتهاء ﴿عن ما نهوا عنه﴾ أي بعد الأخذ بالعذب الشديد، وتجاوزوا إلى الاجتراء على جميع المعاصي عناداً وتكبراً بغاية الوقاحة وعدم المبالاة، كان مواقعتهم لذلك الذنب وإمهالهم مع الوعظ أكسبتهم ذلك وغلطت أكبادهم عن الخوف بزاجر العذاب، من عتا يعتو عتواً - إذا قيل على الاثام، فهو عات، قال عبد الحق في كتابة الواهي : وقيل إذا أقدم على كل اموره،


الصفحة التالية
Icon