ولما كان السياق لأخذ المواثيق والأخذ بقوة، ذكر أخذ الذرية من أقوى نوعي الآدمي، وهمالذكور فقال :﴿من بني آدم﴾ وذكر أنه من أمتن الأعضاء فقال :﴿من ظهورهم﴾ كل واحد من ظهر أبيه ﴿ذرياتهم﴾ إشارة إلى أنه أكد عليهم المواثيق وشددها لهم وأمرهم - بالقوة في أمرها، أعطاهم من القوة في التركيب والمزاج ما يكونون به مطيعين لذلك، فهو تكليف بما في الوسع، وجعل لهم عقولاً عند من قال : هو على حقيقته كمنلة سليمان عليه الصلاة والسلام ﴿وأشهدهم على أنفسهم﴾ أي أوضح لهم من البراهين من الإنعام بالعقول مع خلق السماوات والأرض وما فيهماعلى هذا المنوال الشاهد له بالوحدانية وتمام العلم والقدرة، ومن إرسال الرسل المؤيدين بالمعجزات ما كانوا كالشهود بأنه لا رب غيره ؛ وقد ذكر معنى هذا الإمام حجة الإسلام الغزالي في الكلام على العقل من باب العلم من الإحياء فإنه قال معنى هذه الآية : والمراد إقرار نفوسهم، لا إقرار الألسنة، فإنهم انقسموا في إقرار الألسنة حيث وجدت الألسنة والأشخاص ؛ ثم ذكر أن النفوس فطرت على معرفة الأشياء على ما هي عليه لقرب الاستعداد للإدراك ولما تبين أنه فرد لا شريك له فلا راد لأمره، وأنه رب فلا أرأف منه ولا أرحم، كان ذلك أدعى إلى طاعته خوفاً من سطوته ورجاء لرحمته، فكانوا بذلك بمنزلة من سئل عن الحق فأقر به، فلذلك قال :﴿ألست بربكم﴾ أي المحسن إليكم بالخلق والتربية بالرزق وغيره ﴿قالوا بلى شهدنا﴾ أي كان علماً شهودياً، وذلك لأنهم وصلوا بعد البيان إلى حد لا يكون فيه الجواب إلا ذلك فكأنهم قالوه ؛ فهو - والله أعلم - من وادي قوله تعالى ﴿ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً﴾ الرعد : ١٥] - الآية و﴿لله ما في السموات والأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون﴾ [النحل : ٤٩].


الصفحة التالية
Icon