شيء كنت تفتدي به ؟ قال : نعم، قال : فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك شيئاً، فأبيت إلا الشرك" وذلك لأن التصريح بالآباء ينافي كون الإقرار على حقيقته، والأخذ وهو في الصلب إنما هو بنصب الأدلة وتقرير الحق على وجه مهيئ للاستدلال بتركيب العقل على القانون الموصل إلى المقصود عند التخلي من الخطوط والشوائب، وهذا الذي وقع تأويل الآية به لا يعارضه حديث الاستنطاق في عالم الذر على تقدير صحته، فإنه روي من طرق كثيرة جداً ذكرتها في كتابي سر الروح، منها في الموطأ ومسند أحمد وإسحاق بن راهويه ومحمد بن نصر المروزي وأبي يعلى الموصلي ومستدرك الحاكم وكتاب المائتين لأبي عثمان الصابوني عن صحابة وتابعين مرفوعاً وموقوفاً - منهم عمر وأبيّ بن كعب وأبو هريرة وحكيم بن حزام وعبداللهبن سلام وعبد الله بن عمرو وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم، وعن محمد بن كعب وعطاء بن يسار وسعيد بن المسيب وأبي العالية رحمهم الله، وإنما كان لا يعارضه لأن في بعض طرقه عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه سبحانه قال بعد أن استنطقهم :"فإني أشهد عليكم السماوان السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين، فلا تشركوا بي شيئاً، فإني إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، فقالوا : نشهد أنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك " فالاستنطاق في الحديث على بابه، عبرة لأبينا آدم عليه السلام ومن حضر ذلك من الخلق، وإيقافاً لهم على بديع قدرته وعظيم علمه، وإشهاد من المخلوقات بمعنى أنه نصب فيها من الأدلة ما يكون إقامة الحجة به عليهم بالنقص إن أشركوا كشهادة الشاهد الذي لا يرد، وليس في شيء من الروايات ما ينافي هذا ؛ والحاصل أنه أخذ علينا عهدان : أحدهما حالي تهدى إليه العقول، وهو نصب الآدلة والآخر مقالي اخبرت به الرسل، كل ذلك للإعلام بمزيد الاعتناء بهذا النوع البشري لما له من الشرف الكريم


الصفحة التالية
Icon