مثله بمثل الكلب، لا تشبيه مثله بالكلب ؛ وهذه القصة تدل على أن من كانت نعم الله في حقة أكثر، كان عن الله إذا أعرض عنه أعظم وأكبر ولما تقرر المثلان، وكان منهما منطبقاً على حاله كل مكذب، كانت النتيجة قوله :﴿ذلك﴾ أي كل من المثلين ﴿مثل القوم﴾ أي الأقوياء ما يحاولونه ﴿الذين كذبوا بآيتنا﴾ أي في أن تركهم لها إنما هو بمجرد الهوى، لأن لها من الظهور والعظمة نسبتها إلينا ما لا يخفي على من له أدنى بصيره ﴿فاقصص القصص﴾ أي فأخبر الإخبار العظيم الذي تتبعت به مواقع الوقائع وآثار الأعيان حتى لم تدع في شيء منها لبساً على كل من يسمع لك من اليهود وغيرهم، وهو مصدر قص الشيء - إذا تبع أثره واستقصى في ذلك ﴿لعلهم يتفكرون*﴾ أي ليكون حالهم حال من يرجى تفكره في هذه الآيات، فيعلمون أنه لا يأتي بمثلها من غير معلم من الناس إلانبي فيردهم ذلك إلى الصواب حذراً من مثل حال هذا ولما ظهر بهذا أن مثل الكلب الذي اكتبس من ممثوله من السوء والقذارة مالا يعلمه حق علمه إلا الله تعالى مثل المكذبين بالآيات، أنتج ذلك قوله تأكيداً لذمهم وزجرهم :﴿ساء مثلاً القوم﴾ أي مثل القوم ﴿الذين كذبوا بآيتنا﴾ أي فلو لم يكن عيهم درك في فعلهم أن لا تنزل هذا المثل عليهم لكان أعظم زاجراً له أدنى مروءة، لأنهم نزلوا عما لمن يتبعها من العظمة إلى ما ظهر بهذا المثل من الخسة، فكيف وهم يضرون أنفسهم بذلك ولا يضرون إلا إياها، وذلك معنى قوله :﴿وأنفسهم﴾ أي خاصة ﴿كانوا يظلمون*﴾ أي كان ذلك في طبعهم جبلة لهم، لا يقدر غير الله على تغييره ولما كان ذلك محل عجب ممن يميل عن المنهج بعد إيضاحه هذا الإيضاح الشافي، قال جواباً لمن كأنه قال : فما لهم لا يؤمنون ؟مفصلاً لقوله ﴿ولوشئنا لرفعناهبها﴾ [الأعراف : ١٧٦] :﴿من يهد الله﴾ أي يخلق الهداية في قلبه الملك الأعظم الذي لا أمر لأحد معه ﴿فهو المهتدي﴾ أي لا غيره ولما كان في سياق الاستدلال على أن أكثر الخلق هالك بالفسق ونقض


الصفحة التالية
Icon