ولما كان كأنه قيل : ما لهم رضوا لأنفسهم بطريق جهنم ؟قيل :﴿لهم﴾ ولما كان السياق للتفكير، بدأ بالقلوب فقال :﴿قلوب لا يفقهون بها﴾ أي الفقه الذي كلفوا به، وهو النظر في أدلة التوحيد وثبوت النبوة وما تفرغ عن ذلك، وههو الفقه المسعد، عد غيره عد غيره عدماً لأنه لم ينفعهم النفع المقصود في الحقيقة، وما أحسن التعبير بالفقه في السياق إقامه الأدلة التي منها إرسال الرسل وإنزال الكتب ولما كان البصر أعم من السمع، لأنه ينتفع به الصغير الذي لا يفهم القول، وكذا كل من في حكمه، قدمه فقال :﴿ولهم أعين﴾ ولما لم يترتب عليهما الإبصار النافع في الآخرة الباقية، نفى إبصارهم وإن كانوا أحدّ الناس إبصاراً فقال :﴿لا يبصرون بها﴾ أي الآيات المرئية إبصار تفكر واعتبار ﴿ولهم آذان﴾ ولما لم يتؤتب على سمعها ما ينفعهم، نفاه على نحو ما مضى فقال :﴿لا يسمعون بها﴾ أي الآيات المسموعة وما يدل عليها سماع ادكار وافتكار، ولما سلبت عنهم هذه المعاني كانت النتيجة :﴿أولئك﴾ أي البعداء من المعاني الإنسانية ﴿كالأنعام﴾ أي في عدم الفقه، ولما كانوا قد زادوا على ذلك تفقد نفع السمع والبصر قال :﴿بل هم أضل﴾ لأنهم إما معاند وإما جاهل بما يضره وينفعه، والأنعام تهرب إذا سمعت صوتاً منكراً فرأت بعينها أنه يترتب عليه ضرها، وتنتظر ما ينفعها من الماء والمرعى فتقصده، والأنعام لا قدرة لها على ما يترتب على هذه المدارك من الفقه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٨
وهؤلاء مع قدرتهم على ذلك أهملوا فنزلوا عن رتبتها درجة كما أن من طلب الكمال وسعى له سعيه مع نزاع الشهوات علا عن درجة الملائكة بما قاسى من الجهاد.