فقد ألحدوا في البعض بالفعل وفي الباقي بالزوم، أو بأن يسموه بما لم يأذن فيه، وما لم يأذن فيه تارة يكون مأذوناً فيه في الجملة كالضار فلا يجوز ذكره إلا مع النافع، وتارة لا، مثل إطلاق الأب عليه والجسم، وكذا كل ما أهم نقصاً، فلم يكن أحسن، ولوروده إطلاق بعض اشتقاقاته عليه مثل علم لا يجوز أن يقال لأجله : معلم، وكذا لحبهم لا يجوز لأجله أن يقال : ياخالق الديدان والقردة مثلاً، وكذا لا يجوز أن يذكر اسم لا يعرف الذاكرمعناه ولو كان الناس يفهمون منه مدحا كما يقول البعض البدو : يا أبيض الوجه!يا أبا المكارم! فإن ذلك كله إلحاد، وهذا الفعل يستعمل مجرداً فيقال : لحد في كذا وألحد فيه - بمعنىواحد، وهو العدول عن الحق والإدخال فيه ما ليس منه - نقله أبو حيان عن ابن السكيت ؛ وقال الإمام أبو القاسم علي بن جعفر بن القطاع في كتاب الأفعال : لحد الميت لحداً وألحده : شق له القبر، وإلى الشيء وعنه وفي الدين : مال، وقرئ بهما كذلك.
ولما كان كأنه قيل : فما يفعل بمن ألحد ؟وكان المرهب إيقاع الجزاء، لاكونه
١٦٠
من معين، قال بانياً للمفعول :﴿سيجزون﴾ أي في الدنيا والآخرة بوعد لا خلف فيه ﴿ماكانوا﴾ أى بجبلاتهم ﴿يعملون*﴾ أي فيفعل بهم من أنواع الإهانة والعقوبة ما يوجب وصفهم بأقبح الأصفاف ضد ما كانوا يسمعونه في الدنيا ممن يدانيهم.
ولما أخبر تعالى عن ذرء جهنم من القبلتين، تشوف السامع إلى معرفة حال الباقين منهما، فقال مصرحاً بالخبر عنهم عاطفاً على ﴿ولقد ذرأنا﴾ [الأعراف : ١٧٩] مشيراً بمن التبعيضية إلى قتلهم تصديقاً لقوله ﴿وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين﴾ [الأعراف : ١٠٢] ﴿وممن خلقنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿أمة﴾ أي جماعة عرفت من هو أهل لأن بؤم ويهتدى به فقصدته فاقتبست من أنواره فصارت هي أهلاً لأن تقصد ويؤم بها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٨