ولما أفهم لفظ الأمه هذا صرح به في قوله :﴿يهدون بالحق﴾ أي الثابت الذي يطابقه الواقع ﴿وبه﴾ أى الحق خاصه ﴿يعدلون*﴾ أي يجعلون الأمور متعادلة، لا زيادة في شيء منها على ما ينبغي ولا نقص، لأنا وفقناهم فكشفنا عن بصائرهم حجاب الغفلة التي ألزمناها أولئك، قال أكثر المفسرين : هم أمة محمد ﷺ، ورواه بعضهم عن النبي ﷺ وأبهم الأمر بعد تعيين قوم موسى عليه السلام تعظيماً لهم ولما بين حال الهادين المهديين، وكان أصل السياق الضالين المضلين، أتبعه بقية الحديث عنهم على وجه ملوح بأن علة الهداية التوفيق، فقال عاطفاً على تقديره : فنحن نعلي أمرهم ونطيب ذكرهم :﴿والذين كذبوا﴾ أي نسبوا الرسل إلى الكذب بسبب إتيانهم ﴿بآيتنا﴾ على ما يشاهد من عظمتها ﴿سنستدرجهم﴾ أي نستنزلهم ونستدنيهم بوعد لا خلف فيه إلى ما نريد بهم من الشر العظيم درجة درجة بسبب أنهم كلما أحدثوا جريمة أسبغنا عليهم نعمة، وإذا عملوا طاعة قصرنا عنهم في الإنعام، أو ضربناهم بسوط الانتقام، فيظنون أن المعاصي سبب النعم فينسلخون من الدين، ولذلك قال :﴿من حيث لا يعلمون﴾ أي فيرتكبون ما يتعجب من مداناته فضلاً عن مباشرته ومعاناته من له أدنى بصيرة حتى يكمل ما نريد منهم من المعاصي، وهو من أدلة ﴿سأصرف عن آياتي﴾ وأتى في الاستدراج بأداة العظمة وفي الإملا ء بضمير الواحد فقال ﴿وأملي لهم﴾ أي أمهلهم بوعد جازم زماناً طويلاً وأمد لهم وهم يعصون حتى يظنون أن الله يحبهم حتى يزيدون في ذلك لأنهم لا يفعلون شيئاً إلا بمرادي ولا يفوتوني ولم يأت بهما على نهج واحد، لأن الاستدراج يكون بواسطة وبغيرها، فكأنه قال : سأستدرجبنفسي من غير واسطة تارة وبمن أتيح لهم النعم على يده من عبيدي وجنودي أخرى، وأما الإملاء وهو تطويل الأجل - فلا يتصور أن يكون إلا من الله تعالى ولما كان هذا موجباً لهم - ولابد - الإصرار على المعاصي حتى يصلوا إلى ما
١٦١