حكم عليهم به من النار، قال مستأنفاً ﴿إن كيدي﴾ أي فعلي الذي ظاهرة رفعه وباطنه ضيعه - ظاهره إحسان وباطنه خذلان ﴿متين*﴾ أي شديد قوي لا يمكن أحداً قطعه، قال الإمام بعد تأويل للمعتزله حملهم عليه إيجابهم رعاية الأصلح : وأنا شديد التعجب من المعتزله، يرون القرآن كالبحر الذي لاساحل له مملوءاً من هذه الآيات، والدلائل العقلية القاهرة مطابقة لها، ثم يكتفون في تأويلها - أي عن أنه تعالى يريد الشر-بهذه الوجوه الضعيفة إلا أن علمي بما أراد الله كائن، مزيل هذا التعجب ولما كان السياق من أول السورة لإنذارهم، وكان لا بد في صحة الإنذار من تصحيح الرسالة، وختم بأمرالاستدراج، وكانوا قد واقعوا من المعاصي ما لايجترئ عليه إلا مطموس البصيرة، وكان عندهم أن من قال : إنهم علىحال سيء، - مع ماهم فيه من النعم الظاهر-مجنون، وكان التقدير دلالة على صحة الاستدراج ؛ ألم يروا أنهم يقدمون على مالا يرضاه لنفسه عاقل من عبادتهم للحجر وشماختهم عن أكمل البشر ووصفه بالجنون ووصفهم أفضل الكلام بالسحروالكذب إلى غيرذلك مما يغضب من ليس النفع والضر إلا بيده، وهو مع ذلك يوالي عليهم النعم، ويدفع عنهم النقم، هل ذلك إلا استدراج ؛ قال منكراً عليهم عطفاً على ما أرشد السياق والعطف على غير معطوف عليه إاى تقديره :﴿أو لم يتفكروا﴾ أي يعملوا أفكارهم ويمنعوا في ترتيب المقدمات ليعلموا أنه لا يتوجه لهم طعن يورث شبهة بوجه من الوجوه، وبين المراد من هذا التفكر وعينه بقوله :﴿ما يصاحبهم﴾ أي الذي طالت خبرتهم لأنه أمنتهم عقلاً وأفضلهم شمائل ولم يقل : ما برسولي ونحوه، لئلا يقول متعنتهم مالا يخفى، وأعرق في النفي فقال : ؛ ﴿من جنة﴾ أي حالة من حالات الجنون.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٨


الصفحة التالية
Icon