ولما نفى أن يكون به شيء مما نسبوه إليه وافتزوه عليه فثبتت رسالته، حصر أمره في النذارة لأنها النافعة لهم مع أن المقام لها في هذه السورة فقال :﴿إن﴾ أي ما ﴿هو إلانذير﴾ أي بالغ في نذارته ﴿مبين*﴾ أي موضح للطريق إيضاحاً لا يصل إلى غيره، ومن أدلة ذلك عجز الخلق عن معارضة شيء مما يأتي به من أنه أحسن الناس خلقاً وأعلاهم خُلقاً وأفضلهم عشرة وأرضاهم طريقة وأعدلهم سيرة وأطهرهم سريرة وأشرفهم عملاً وأحكمهم علماً وأرصنهم رأياً وأعظمهم عقلاً وأشدهم أمانة وأظهرهم نبلاً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٥٨
ولما كان النظر في امر النبوة مفرعاً على تقرير أدلىة التوحيد، وكان المقصود من الإنذار الرجوع عن الإلحاد، قال منكراً عليهم عدم النظر في دلائل التوحيد الراد عن كل حال سيئ :﴿أولم﴾ ولما كان الأمر واضحاً قال :﴿ينظرون﴾ أي نظر تأمل اعتبار، ودل على أنه بالبصيرة لا البصر بالصلة، فقال إشارة إلى كل ذرة فيها دلائل جمة ﴿في ملكوت﴾ وعظم الأمر بقوله :﴿السموات والأرض﴾ أي ملكها البالغ من حد العظمة أمراً باهراً بظاهرة الذي يعرفونه وباطنه الذي يلوح لهم ولا يدركونه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٦٣