ولما كانت ادلة التوحديد تفوت الحصر، ففي كل ذرة برهان قاهر ودليل ساطع باهر، قال ؛ ﴿وما﴾ أي وفيما ﴿خلق الله﴾ أي على ما له من الجلال والجمال ﴿من شيء﴾ أي غيرهما، ليعلموا أنه لا يقدر على شيء من ذلك فضلاً عن ذلك غيره، ويتحققوا أن كتابه سبحانه مباين لجميع مخلوقاته فيعلموا أنه صفته سبحانه وكلامه، فلا يلحدون في أسمائه فلا يسموا بشيء منها غيره لما ظهر لهم من تمام قدرته وتمام عجز غيره عن كل شيء ومن شمول علمه وتناهي جهل غيره بكل شيء أنه قهار شديد، وبعجزه كل شيء عن كل شيء من أمره أنه عزيز، وبإسباغه النعمة أنه رحيم كريم إلى غير ذلك من أسمائه الحسنى وصفاته العلى التي تنطق الأشياء بها بألسنة الأحوال وتتحدث بها صدور الكائنات وإن لم يكن لها مقال، ويشرحها كلام التدبير بما له من الكمال ﴿وأن عسى﴾ أي وينظرون في الإشقاق والخوف من أنه ممكن وخليق وجدير ﴿أن يكون قد اقترب﴾ أي دنا دنوّا عظيماً ﴿أجلهم﴾ أي الذي لا شك عندهم في كونه بموته من موتان هذه الأمم التي أسلفنا اخبارهم كنفس واحدة أو بالتدريج فيبادروا بالإيمان به خشية انخرام الأجل للنجاة من أعظم الوجل، فإن كل عاقل إذا جوزخطراينبغي له ان ينظر في عاقبته ويجتهد في الخلاص منه ولما كان قدم في أول السورة النهي عن التحرج من الإنذار بهذا الكتاب، وبان بهذه الآيات أنه ﷺ اتصف بالإنذار به حق الاتصاف، وبان أن القرآن مباين لجميع المخلوقات، فثبت أنه كلام الله ؛ تسبب عن ذلك الإنكار على من يتوقف عن الإيمان به، والتخويف من إحلال أجله قبل ذلك فيقع فيما لا يمكنه تداركه، وذلك في أسلوب دال على أن الإيمان بعد هذا البيان مما لا يسوغ التوقف فيه إلا لانتظار كلام آخر فقال :
١٦٣