ولما كان ذلك كله من أعجب العجب، كانت فذلكته قطعاً تعليلاً لما قبله من إعراضهم عما لا ينبغي الإعراض عنه دليلاً علىأن الأمر ليس إلا بيد منزلة سبحانه قوله :﴿من يضلل الله﴾ أي الذي له جميع العظمة ﴿فلا هادي﴾ أصلاً ﴿له﴾ بوجه من الوجوه ؛ ولما دل بالإفراد على أن كل فرد في قبضته، وكان التقدير : بل يستمر على ضلاله، وعطف عليه بضمير الجمع دلالة علىأن جمعهم لا يغني من الله شيئاً فقال :﴿ويذرهم﴾ أي يتركهم على حالة قبيحة، وعبر بالظرف إشارة إلى إحاطة حكمه بهم فقال :﴿في طغيانهم﴾ أي تجاوزهم للحدود حال كونهم ﴿يعمهون﴾ أي يتحيرون ويترددون في الضلال لا يعرفونه طريقاً ولا يفهمون حجة وللما بين التوحيد والنبوة والقضاء والقدر، أتبعه المعاد لتكمل المطالب الأربعة التي هي أمهات مطالب القرآن، مبيناً ما اشتمل عليه هذا الكلام من تبدلهم في العمه وتلددهم في إشراك الشبه بقوله :﴿يسئلونك﴾ أي مكررين لذلك ﴿عن الساعة﴾ أي عن وقتها سؤال استهزاء ﴿أيان مرساها﴾ أي أيّ وقت ثبات ثقلها واستقراره، والمرسى يكون مصدراً وزماناً ومكاناً، من رست السفينة - إذا ثبتت بالحديدة المتشبعة، وإنما كان هذا بياناً لعههم فإنهم وقعوا بذلك في الضلال من وجهين : السؤال عما غيره لهم أهم، وجعله على طريق الاستهزاء مع ما قام عليه من الأدلة، وسيكرره في هذه السورة، وكان اللائق بهم أن يجعلوا بدل السؤال عنها اتقاءها بالأعمال الصالحة ولما كان السؤال عن الساعة عاماً ثم خاصاً بالسؤال عن وقتها، جاء الجواب عموماً عنها بقوله :﴿قل إنما علمها﴾ أي علم وقت إرسالها وغيره ﴿عند ربي﴾ أى المحسن إليّ بإقامتها لينعم على تبعني وينتقم ممن تركني، لم يطلع على ذلك أحداً من خلقه، ولا يقيمها إلا في أحسن الأوقات وأنفعها لي، وإخفاؤها أنفع للخلق لأنه أعظم لشأنها وأهيب، فيكون أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية وأقرب إلى التوبة، ثم خصصت من حيث الوقت بقوله مشيراً إلى أن لها أشرطاً


الصفحة التالية
Icon