ولما كان الإله الحق يجيب وليه عند التحدي من غير تخلف، أشار إلى ذلك بالربط بالفاء فقال :﴿فليستجيبوا لكم﴾ أي يوجدوا لكم إجابة بينة في الإتيان بسورة تماثل شيئاً من القرآن وفي شيء من المنافع ولما كان المقام محتاجاً إلة مزيد توبيخ وإلهاب، قدم ما رأيت، ثم زاد في الإلهاب فقال :﴿إن كنتم﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿صادقين*﴾ أي في دعوى أنهم آلهة، فأن رتبة الإله تقتضي ذلك، وقرأ سعيد بن جبير ﴿إن﴾ خفيفة و﴿عباداً أمثالكم بنصب الدال واللام، واتفق المفسرون على تخرجهاغ على أن " إن " هي النافية أعملت عما " ما " الحجازية، فرفعت الاسم ونصبت الخبر، وإعمالها هذا العمل فيه خلاف، أجازه الكسائي وأكثر الكوفيين، ومن البصريين ابن السراج والفارسي وابن جني، ومنع منه الفراء وأكثر البصريين، واختلف النقل عن سيبوية والمبرد، والصيحح أن إعمالها لغة ثبت ذلك في النظم والنثر - ذكر ذلك كله أبو حيان وذكر أنه أشبع الكلام فيه في شرح التسهيل، واعترض على هذا التخريج بأنه يلزم منه منافاتها للقراءة المشهورة، وإنما يسلم له ذلك لو توارد النفي والإثبات على شيء واحد، وليس الأمر هنا كذلك، فالاثبات لمماثلتها لهم في مطلق العجز، والنفي لمساواتها لهم فيه لزيادتهم عنها بالبطش ونحوه، أو يكون الأمر - كما قال الزمخشري - أن الإثبات على سبيل التنزل والنفي على الحقيقة ولما أثبت عجزهم وأنهم أمثالهم، دل عليه وعلى أنهم دونهم بأسلوب إنكار وتعجب مفصلاً لبعض ما نفاه عنهم - فقال مقدماً الأجل لأن أول ما يخشى من الشيء انتقاله :{ألهم أجل﴾ ولما كانت لهم جوارح مصنوعة، بين المراد بقوله :﴿يمشون بها﴾ ولما كان المخشيّ بعد الانتقال مدّ اليد، قال :﴿أم لهم أيد﴾ أي موصوفة بأنهم ﴿يبطشون بها﴾ أي نوعاً من البطش ؛ ولما كان المخوف بعد البطش باليد البصرخوفاً من الدلالة قال :﴿أم لهم أعين﴾ أي منعوته بأنهم ﴿يبصرون بها﴾ أي ضرباً من الإبصار ؛ ولما كان الإنسان ربما خاف مما يقصد