الشيطان به من المكان الخفية والأسباب الدقيقة ليعلم الناجي أنه إنما نجا بمحض التوفيق ومجرد اللطف فيقبل على الشكر متبرئاًُ من الحول والقوة، فقال منادياً لهم بما يفهم الاستعطاب والتراؤف والتحنن والترفق والاستضعاف :﴿يابني آدم﴾ أى الذي خلقته بيدي واسكنته جنتي ثم أنزلته إلى دار محبتي إرادة الإعلاءلكم إلى الذروة من عبادتي والإسفال إلى الحضيض من معصيتي ﴿لا يفتننكم﴾ أي لا يخالطنكم بما يميلكم عن الاعتدال ﴿الشياطين﴾ أي البعيد المحترق بالذنوب يصدكم عما يكون سبباً لردكم إلى وطنكم بتزين ما ينزع عنكم من لباس التقوى المفضي إلى هتك العورات الموجب لخزي الدنيا، فيمنعكم بذلك من دخول الجنة ويدخلكم النار ﴿كما اخرج ابويكم من الجنة﴾ بما فتنها به بعد أن كانا سكناها وتمكنا فيها وتوطناها وقد علمتكم ان الدفع أسهل من الرفع فإياكم! فالآية من الاحتباك ذكر الفتنة أولاً دليلاً على حذفها ثانياً دليلاًُ على حذف ضده أو نظيره أولاً ولما كان قد بذل الجهد فيإخراجها فسر افخراج - مشيراً إلى ذلك - بإطالة الوسواس وإدامة المكر والخديعة بالتعبير بالفعل المضارع فقال في موضع الحال من ضمير " الشيطان " :﴿ينزع عنهما﴾ أي بالتسبيب بإدامة التزيين والأخذ من المأمن ﴿لباسها﴾ أى الذي كان الله سبحانه قد سترهما به ما داما حافظين لأنفسهما من مواقعه ما نهيا عنه ودل على منافاة الكشف للجنة بالتعليل بقوله :﴿ليريهما سوأتهما﴾ فإن ذلك مبدأ ترك الحياةو " الحياة والإيمان في قرن " -كما أخرجه الطبراني وابو نعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنهما، و" الحياء لا ياتي إلا بخير " -كما رواه الشيخان عن عمران بن حصين رضي الله عنهما ولما كان نهي الشيطان عن فتنتنا إنما هو في الحقيقة نهي لنا عن الافتتان به، فهو في قوة ليشتد حذركم من فتنتة فإنه دقيق الكيد بعيد الغور بديع المخاتله ؛ علل ذلك
٢١
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٩


الصفحة التالية
Icon