الأقدام، فأتى المسلمين به من المطر ما لبد لهم الأرض، وأتى المشركين منه ما لم يقدروا معه على الحركة ﴿ولو تواعدتم﴾ أي أنتم وهم على الموافاة إلى تلك المواضع في آن واحد ﴿لاختلفتم في الميعاد﴾ أي لأن العادة قاضية بذلك لأمرين : أحدهما بعد المسافة التي كنتم بها منها وتعذر توقيت سير كل فريق بسير صاحبه، والثاني كراهتكم للقائهم لما وقر في أنفسهم من قوتهم وضعفكم، وقد كان الذي كرّه إليكم لقاءكم قادر على أن يكره إليهم لقاءكم، فيقع الاختلاف من جهتهم كما كان في بدر الموعد، وأما في هذه الغزوة فدعاهم من حماية غيرهم داع لم يستطيعوا التخلف معه، وطمس الله بصائرهم وقسى قلوبهم مع قول أبي جهل الذي كان السبب الأعظم في اللقاء لمن عرض عليه المدد بالسلاح والرجال : إن كنا نقاتل الناس فما بنا ضعف عنهم، وإن كنا إنما نقاتل - كما يزعم محمد - الله فما لأحد بالله من طاقة، وقوله أيضاً في هذه الغزوة للأخنس بن شريق : غن محمداً صادق وما كذب قط، فعل الله ذلك لما علم في ملاقاتهم لكم من إعلاء كلمته وإظهار دينه ﴿ولكن﴾ أي دبر ذلك لما علم في إلى موطن اللقاء كلكم في يوم واحد من غير ميعاد ولم تختلفوا في موافاة ذلك الموضع مع خروج ذلك عن العادة لكونه أتقن اسبابه، فأطمعكم في العير أولاً مع ما أتنم فيه من الحاجة ثم وعدكم إحدى الطائفتين مبهاً وأخرج قريشاً لحماية عيرهم إخراجاً لم يجدوا منه بداً، ولما نجت عيرهم أوردهم تارياء والسمعة والبطر بما هم فيه من الكثرة والقوة كما قال أبو جهل : لا نرجع حتى نرد بدراً فننحر بها الجزور ونشرب الخمور وتعزف علينا القيان ونطعم من حضرنا من العرب فلا يزالون يهابوننا مدى الزمان - ﴿ليقضي الله﴾ أي الذي له جميع الأمر من إعزاز دينه بإعرازكم زإذلالهم ﴿أمراً كان﴾ كما تكون الجبلات والطبائع في التمكن والتمام ﴿مفعولا﴾ أي مقدراً في الأزل من لقائهم وما وقع فيه من قتلهم وأسرهم على ذلك الوجه العظيم فهو مفعول لا


الصفحة التالية
Icon