ولما كان المقصود من البعثة أولاً النذارة للرد عما هم عليه من الضلال، وكانت مواجهة الناس بالإنذار شديدة على النفوس، وكان الإقدام عليها من الصعوبة بمكان عظيم ؛ قدم قوله مسبباً عن تخصيصه بهذه الرحمة :﴿فلا يكن﴾ وعبر عن القلب بمسكنه الذي هو أوسع منه مبالغة في الأمر فقال :﴿في صدرك حرج﴾ أي شيء من ضيق بهم أو خوف أو نحو ذلك ﴿منه﴾ على ما تعلق ب " أنزل " من قوله :﴿لتنذر به﴾ أي نذري لكل من بلغه أو للمخالفين من سرعة العقاب على نحو ما أوقع سبحانه بالقرون الماضية والأمم السابقة - كما أشار إليه آخر الأنعام، وسيقص من أخبارهم من هذه السورة ﴿و﴾ لتنذر به ﴿ذكرى﴾ أي عظمة ﴿للمؤمنين﴾ أي للبشر والمواعظ والغفران والرحمة على ما اشار إليه ختام الأنعام، وحذف المفعول يدل على عموم الرسالة لكل من أماكن إنذاره وتذكيره من العقلاء، ويجوز أن تتعلق لام " لتنذر " بمعنى النهي، أي انف الحرج الواقع لأجل لكذا، فإن من كان منشرح الصدر أقدم على ما يريد أو يحرج، أي لا يكن الحرج الواقع لأجل أن تنذر، أي لأجل إنذار به، والنهي للنبي صلى الله عليع وسلم، حُوّل إلى الحرج مبالغة وأدباً، ويجوز أن يكون التقدير من الاحتباك : إثباته " لتنذر " أولاً، فإن النفوس على قسمين : نفوس بليدة جاهلة بعيدة عن عالم الغيب غريقة في طلب اللذات الجسمانية والشهوات الحيوانية فبعثه الرسل في حقهم إنذار وتخويف، ونفوس شريفة مشرقة بالأنوار الإلهية فبعثه الرسل في حقهم تذكير لأن هذه النفوس بمقتضى جواهرها الأصلية وجبلتها الخلقية مستعدة للانجذاب إلى عالم القدس إلا أنه ربما غشيها غواش من عالم الأجساد فيعرض لها نوع ذهول وغفلة، فإذا سمعت دعوة الأنبياء واتصلت بها أنوار أرواح رسل الله تذكرت مركزها وأبصرت منشأها، فاشتاقت إلى ما حصل هناك من الروح والريحان فطارت نحوهم كل مطار فتمحضت لديها تلك الأنوار ؛ وقال أبو حيان : واعتلاق هذه السورة بما قبلها هو أنه لما ذكر تعالى


الصفحة التالية
Icon