ولما أمر تعالى بالتضييق عليهم، بين ما يوجب الكف عنهم فقال :﴿فإن تابوا﴾ أي عن الكفر ﴿وأقاموا﴾ أي وصدقوا دعواهم التوبة بالبينه العادلة بأن أقاموا ﴿الصلاة وآتوا الزكاة﴾ أي فوصلوا ما بينهم وبين الخالق وما بينهم وبين الخلائق خضوعاً لله تعالى وتركاً للفساد ومباشرة للصلاح على الوجه الذي امر به رسول الله ﷺ، فإذا وجد هذان الشاهدان العدلان ﴿فخلوا﴾ أي بسبب ذلك ﴿سبيلهم﴾ أي بأن لا تعرضوا لشيء
٢٧١
مما تقدم لأن الله يقبل ذلك منهم ويغفر لهم ما سلف ﴿إن﴾ أي لأن ﴿الله﴾ أي الذي له الجلال والإكرام ﴿غفور رحيم*﴾ أي بليغ المحو للذنوب التي تاب صاحبها عنها والاتباع له بالإكرام.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٧
ولما سد عليهم طريق مخالطتهم ما لم يتصفوا بالتوبة المدلول عليها بالشهيدين المذكورين سداً مطلقاً، وفتحه عند الاتصاف بها فتحاً مطلقاً، عطف على ذلك طريقاً آخر وسطاً مقيداً فقال :﴿وإن أحد من المشركين﴾ أي الذين أمرناكم بقتالهم ﴿استجارك﴾ أي طلب أن تعامله في الإكرام معاملة الجار بعد انقضاء مدة السياحة ﴿فأجره﴾ أي فآمنه ودافع عنه من يقصده بسوء ﴿حتى يسمع كلام الله﴾ أي الملك الأعظم بسماع التلاوة الدالة عليه، فيعلم بذلك ما يدعو إليه من المحاسن ويتحقق انه قد ذكر، بين ما يفعل به إن أصر فقال :﴿ثم أبلغه﴾ أي إن أراد الانصراف ولم يسلم ﴿مأمنه﴾ أي الموضع الذي يأمن فيه ثم قاتله بعد بلوغه المأمن إن شئت من غير غدر ولا خيانه ؛ قال الحسن : هي محكمة إلى يوم القيامة ؛ ثم علل ذلك بما يبين غدرهم بقوله :﴿ذلك بأنهم﴾ أي الأمر بالإجازة للغرض المذكور بسبب أنهم ﴿قوم لا يعلمون*﴾ أي لا علم لهم لأنه لا عهد لهم بنبوة ولا رسالة ولا كتاب، فإذا علموا أوشك أن ينفعهم العلم.


الصفحة التالية
Icon