ولما كان الأمر بالنبذ مظنة لأن يعجب منه، عجب فقال : فمن يتعجب منه ؟ وأنكر عليه فقال :﴿كيف يكون للمشركين﴾ أي اهل العراقة في الشرك الذين توجب عراقتهم فيه ومحبتهم لظهوره نكثَ العهد الذي لا أقبح منه عند العرب ولا أشنع ﴿عهد عند الله﴾ أي المستجمع لصفات الكمال، فهو لا يحب النقض من أوليائه فكيف به من اعدائه ﴿وعند ورسوله﴾ أي الذي هو أكمل الخلق واوفاهم وأحفظهم للعهود وأرعاهم فهم أضداده فأعمالهم اضداد اعماله، وقد بدا منهم الغدر.
٢٧٢
ولما كان استفهام الإنكار في معنى النفي، صح الاستثناء منه، فكأنه قيل : لا يكون للمشركين عهد ﴿إلا الذين عاهدتم﴾ أي منهم كما تقدم ﴿عند المسجد الحرام﴾ أي الحرم يوم الحدبية، وهذا مما يدل على أن الاستثناء المتقدم من ﴿الذين﴾ في قوله ﴿براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين﴾ ؛ قال البغوي ؛ قال السدي والكلبي وابن اسحاق : هم من قبائل بكر : بنو خزيمة وبنو مدلج وبنو ضمرة وبنو الديل وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية، فلم يكن نقض العهد إلا قريش وبنو الديل من بني بكر فأمر بإتمام العهد لمن لم ينقض، ولما استثنى، بين حكم المستثني فقال :﴿فما استقاموالكم﴾ أي ركبوا الطريق الأقوام في الوفاء بعهدهم ﴿فاستقيموا لهم﴾ والقول في ﴿إن الله﴾ أي المحيط بالجلال والجمال ﴿يحب المتقين*﴾ كما سبق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٢


الصفحة التالية
Icon