ولما انكر سبحانه ان يكون للمشركين غير المستثنين عهد، بين السبب الموجب للانكار مكرراً أداة الإنكار تأكيداً للمعنى فقال :﴿كيف﴾ أي يكون لهم عهد ثابت ﴿وإن﴾ أي والحال أنهم مضمرون لكم الغدر والخيانة فهم إن ﴿يظهروا عليكم﴾ أي ان يعل أمر لهم على أمركم بان يظفروا بكم بعد العهد والميثاق ﴿لا يرقبوا﴾ أي لا ينظروا ويرعوا ﴿فيكم﴾ أي في أذانكم بكل جليل وحقير ﴿إلاّ﴾ أي قرابة محققة ﴿ولا ذمة﴾ أي عهداً، يعني أن الأمر المبيح للنبذ خوف الخيانة، وعلام الغيوب يخبركم أنهم في غاية الخيانة لكم، والإل هذا : القرابة - وهو قول ابن عباس، والمادة تدور على الألة وهي حربة في نصلها عرض، ويلزمها الصفاء والرقة والبريق، ويشبه به الإسراع في العدو، والثبات في نفسها، ومنه القرابة والعهد والتغير في وصفها، ومنه تغير رائحة الإناء وفساد الأسنان والصوت، ومنه الأنين والجؤار في الدعاء مع البكاء وخرير الماء والطعن والقهر-ومنه : إن هذا - أي كلام مسيلمة - ما يخرخ من إل، أي من ربوبية، وفي إل الله، أي قدرته وإلهيته.
ولما كان ذلك مظنة لأن يقال : قد أكدوا لنا الأيمان وأوثقوا العهود، ولم يدعوا باباً من ابواب الاستعطاف، قال معللاً لما مضى مجيباً لمن استبعده :﴿يرضونكم﴾ وعبر باقصى ما يمكن الكلام به من القلوب تحقيقاً لأنهم ليس في قلوبهم شيء منه فقال :﴿بافواههم﴾ أي بذلك التأكيد، وصرح بالمقصود بقوله :﴿وتابى قلوبهم﴾ أي العمل بما ابدته ألسنتهم، وقليل منهم من يحمله الخوف ونحوه على الثبات أو يرجع عن الفسق ويؤمن ﴿وأكثرهم فاسقون*﴾ أي راسخوا الأقدام في الفسق خارجون - لمخالفة الفعل للقول - عما تريدونه، وإذا نقض الأكثر الأقل إلى موافقتهم.
٢٧٣


الصفحة التالية
Icon