ولما أخبر تعالى بعراقتهم في الفسق، دل عليه بأن خيانتهم ليست خاصة بالمخاطبين، بل عامة لكل من اتصف بصفتهم من الإيمان، فمدار خيانتهم على الوصف، فقال :﴿لايرقبون في مؤمن إلاّ﴾ أي قرابة وأصلاً خيداً ثابتاً ﴿ولاذمة﴾ أي عهداً أكيداً ﴿وأولئك﴾ أي البعداء من كل خير ﴿هم﴾ أي خاصة لتناهي عدوانهم ﴿المعتدون*﴾ أي عادتهم المبالغة في حمل أنفسهم على ان يعدوا الحدود لعدم ما يردهم عن ذلك من وازع إلهي ورادع شرعي كما فعل عامر بن الطفيل بأهل بئر معونة مع أنهم في جوار عمه وكان من خبرهم أن عمه أبا براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة قدم على رسول الله ﷺ فقال له : لو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد رجوت أن يستجيبوا لك، فقال رسول الله ﷺ : إني أخشى عليهم أهل نجد، قال أبوبراء : أنا لهم جار.
فبعث رسول اله ﷺ : المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة المعنق ليموت في سبعين رجلاً من اصحاب من خيار المسلمين، فما نزلوا بئر معونه بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله ﷺ إلى عامر بن الطفيل فلم ينظر في كتابه وعدا عليه فقتله، ثم استصرخ عليهم بني عامر فابوا وقالوا : لن نخفر أب براء، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم : عصية ورعلاً وذكوان فقتلوهم فلم يفلتمنهم إلا ثلاثة نفر عمرو بن أمية الضمري أحدهم، فعظم ذلك النبي ﷺ ودعا على قتلتهم شهراً ؛ قال البغوي : وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إن أهل الطائف أمدوهم-يعني قريشاً - بالأموال ليقووهم على حرب رسول الله ﷺ، فهذا الذي أحكمه تعالى من نبذ العهد نظر للدين، لأنه نظر لجميع أهله الذين لا يوجد إلا بهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٥


الصفحة التالية
Icon