الذي منه ما عذب به هؤلاء وغيره ﴿جزاء الكافرين*﴾ أى الراسخين في وصف الكفر الذين آثروا حب من تقدم من الاباء وغيرهم على الله فثبتوا على تقليد الآباء في الباطل بعدما رأوا من الدلائل ما بهر الشمس ولم يدع شيئاً من لبس، وأما الذين لم يكن كفرهم راسخاً فكان ذلك صلاحاً لهم لنه قادهم إلى الإسلام، فقد تبين أن المنصور من نصره الله قليلاً كان أو كثيراً، وأن القلة والكثرة والقوة والضعف بالنسبة إلى قدرته سواء، فلا تغتروا بما الزمكم من النعم فإنه قادر على نزعها، لا تستحق أحد عليه شيئاً، ولا يقدر أحد على رد قضائه، وفي ذلك إعلام بأنه لا يرتد بعد إيمانه إلا من كان عريقاً في الكفر، وفيه أبلغ تهديد لأنه إذا عذب من أوجد الكفر وقتاً ما فكيف بمن رسخ فيه! الكفر، وفيه ابلغ تهديد لأنه إذا عذب من اوجد الكفر وقتاً ما فكيف بمن رسخ فيه! ولما بين أن العذاب جزاء الكافرين، بين أنه يتوب على من يريد منهم، وهم كل من علم منه قابيلة للإيمان وإن كان شديداً وصف الكفران، فقال عاطفاً على ﴿وعذب﴾ :﴿ثم يتوب الله﴾ أي الذي له الإحاطة علماً وقدرة، ولما لم يكن احد تستغرق توبته زمان البعد أدخل الجار فقال :﴿من بعد ذلك﴾ أي العذاب العظيم ﴿على من يشاء﴾ أى فيهديه إلى الإسلام ويغفر له جميع ما سلف من الآثام ﴿والله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿غفور رحيم *﴾ أي محاء للخطايا عظيم افكرام لمن تاب، وفي ذلك إشارة إلى أنه جعل هذه الوقعة، لحكمته التي اقتضت ربط المسببات يأسبابها-سبباً لإسلام من حضرها من كفار قريشوغيرهم من المؤلفة بما قسم فيهم ﷺ من غنائم هوزان وبما رأوا من عز الإسلام وعلوه، فكان في ذلك ترغيب لهم بالمال، وترهيب بسطوات القتال، ولإسلام وفد هوزان بما حصل لهم من القهر وما شاهدوا للنبي صلى اله عليه وسلم من عظيم النصر، ولإسلام غيرهم من العرب بسبب علم كل منهم بهذه الوقعة أنهم اضعف ناصراً وأقل عدداً، كل ذلك رحمة منه


الصفحة التالية
Icon