جميع الجزيئات.
٢٩٨
ولما كان ذلك موضع تعجب يكون سبباً لأن يقال : من اين يكون ذلك الغنى ؟ أجاب بقوله :﴿قاتلوا﴾ أي أهل الأموال والغنى ﴿الذين لا يؤمنون بالله﴾ أى الذي له جميع صفات الكمال إيماناً هو على ما أخبرت به عنه رسله، ولو آمنوا هذا الإيمان ما كذبوا رسولاً من الرسل، وايضاً فالنصارى مثلثة وبعض اليهود مثنية ﴿ولا باليوم الآخر﴾ الملك الأعلى الذي له الأمر كله ﴿ورسوله﴾ أي من الشرك واكل الأموال بالباطل وغير ذلك وتبديل التوراة والإنجيل ﴿ولا يدينون﴾ أي يفعلون ويقيمون، واشتق من الدين فعلاً ثم اضافة إلى صفته إغراقاً في اتخاذه بذلك الوصف فقال :﴿الدين الحق﴾ أى الذي اخذت عليهم رسلهم العهود والمواثيق باتباعه، ثم بين الموصل مع صلته فقال :﴿من الذين﴾ ودل على استهانته سبحانه بهم وبراءته منهم بأن بني للمفعول قوله :﴿اوتوا الكتاب﴾ أي من اليهود والنصاري ومن ألحق بهم ﴿حتى يعطوا الجزية﴾ أي هي ما قرر عليهم في نظر سكناهم في بلاد الإسلام آمنين، فعله من جزى يجزي.
إذا قضى ما عليه ﴿عن يد﴾ أي قاهرة إن كانت يد الآخذ او مقهورة إن كانت يد المعطي، من قولهم : فلان أعطى بيده ﴿وهم صاغرين*﴾ ففي ذلك غنى لا يشبه ما كنتم فيه من قتال بعضكم لبعض لتغنم ما في يده من ذلك المال الحقير ولا ما كنتم تعدونه غنى من قتال بعضكم لا يبلغ أكبرها واصغرها ما أرشدناكم إليه مع ما في ذلك العز الممكن من الإصلاح والطاعة وسترون، وعبر باليد عن السطوة التي ينشأ عنها الذل والقهر لأنها الآلة الباطشة، فالمعنى عن يد قاهرة لهم، أى عن قهر منكم لهم وسطوة بأفعالهم التي أصغرتهم عظمتها وألتهم شدتها، قال ابو عبيدة : يقال لكل من اعطى شيئاً كرهاً عن غير طيب نفس، اعطاه عن يد.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٦


الصفحة التالية
Icon