ولما ذكر نسيانهم وجحودهم ذكر حالهم عند ذلك فقال ﴿ولقد﴾ أي فعلوا ذلك والحال أنا وعزتنا قد ﴿جئناهم﴾ أي على عظمتنا بإتيان رسولنا إليهم عنا ﴿بكتاب﴾ ليس هو موضعاً للجحد اصلاً ؛ ثم بين ذلك في سياق مرغب للوؤلف مرهب للمخالف فقال ﴿فصلناه﴾ أي بينا معاينة لم ندع فيها لبساً، وجعلنا الاياته فواصل حال كون ذلك التفصيل ﴿علىعلم﴾ أي عظيم، فجاء معجزاً في نظمه ومعناه وسائر علمه ومغزاه، وحال كونه ﴿هدى﴾ أى بياناً ﴿ورحمة﴾ أي إكرماً ثم خص المنتفعين به لأن من لا ينتفع بالشيء فهو كالمعدوم في حقه فقال :﴿لقوم يؤمنون﴾ أي فيهم قابلية ذلك وفيه رجوع إلى وصف الكتاب الذي هو أحد مقاصد السورة على أبداع وجه في احسن أسلوب ولما وصف الكتاب وذكر المنتفع به، تشوقت النفس إلى السؤال عن حال من لا يؤمن به وهم الجاحدون، فقال مشيراً إلى حالهم في قوتهم عن المتابعه بعد العلم بصدفه بعجزهم عنه كحال من ينتظر أن يأتي مضمون وعيده :﴿هل ينظرون﴾ أي ينظرون، ولكنه لما لم يكن لهم قصد في ذلك بغير ما يفهمه الحال، جرد الفعل والإفادة أنه بتحقيق إتيانه في غاية القرب حتى كأنه مشاهد لهم ﴿إلا تأويله﴾ أي تصير ما فيه من وعد ووعيد إلى مقاره وعواقب أمره التي أخبره انه يصير إليها ولما كان كانه قيل : ما يكون حالهم حينئذ ؟ قال : التحسر والإذغان حيث لا ينفع والتصديق والإيمان حين لا يقبل وعبر عن ذلك بقوله :﴿يوم يأتي تاويله﴾ أي بلوغ وعيده إلى مبلغه في النيا او في الآخرة ؛ ولما قدم اليوم اهتماماً به، اظتبعه العامل فيه فقال :﴿يقول الذين نسوه﴾ أي تركوه ترك المنسي، ويجوز أن يكون عد ذلك نسياناً
٣٩
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٩


الصفحة التالية
Icon