﴿يغشى الليل النهار﴾ [الأعراف : ٥٤] الدال على الوحدانية الداعي إلى الحق إقامة للأبدان، وامر بما أنزل من كتبه على السنة رسله عليهم الصلاة والسلام إقامة للأديان فجمع إلى الإيجاد الأول الإبقاء الأول ولما كان ذلك اقتضى الاقتصار بكمال التذلل على مقام الخوف، نفي ذلك بقوله ﴿وادعوه خوفاً﴾ أي من عدله ؛ ولما كان لا سبب للعبادة من أنفسهم في الوصول إليه سبحانه، عبر بالطمع فقال :﴿وطمعاً﴾ أي في فضله، فإن من جمع بين الخوف والرجاء كان في مقام الإحسان وكأنه مشاهد للرحمن، ما زجره زاجر الجلال بسياط سطوته إلا دعاه داعي الجمال إلى بساط رافته، ومن حاز مقام الإحسان كان أهلاً للرحمة ﴿إن رحمت الله﴾ أي إكرام ذي الجلال وافكرام لمن يدعوه على هذه الصفة، وفخمها بالتذكير لإضافتها إلى غير مؤنث فيما قال سيبوية فقال :﴿قريب﴾ وكان الأصل منكم، ولكنه اظهر تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال :﴿من المحسنين﴾ ولما كان دوام الصلاح لا يكون إلا يكون بالغيث، وهو من أجل أنواع الرحمة، وهو لا يكون إلا بالسحاب، وهو لا يكون إلا بالريح، قال تعالى عاطفاً على ﴿إن ربكم الله﴾ تنبيهاً بعد تحقيق المبدأ على تحقيق المعاد :﴿وهو﴾ أي لا غيره ﴿الذي يرسل﴾ أي بالتحريك ﴿الرياح﴾ هذا في قراءة الجماعة، وانواعها خمس : جنوب وشمال وصبا ودبور ونكباء، وهي كل ريح انحرفت فوقعت بين ريحين، ووحد ابن كثير وحمزة والكسائي على إرادة الجنس ﴿بشرا﴾ بتضمين في قراءة اهل الحجاز والبصرة، أي منتشرة جمع نشور من النشر، وهو بسط ما كان مطوياً وتفرقه في كل وجه لا لذات الريح وإلا الدام ذلك منها ولا بقوة فلك أو نجم لأن نسبتها إلى الهواء واحدة ﴿بين يدي﴾ أي قبل ﴿رحمته﴾ أي المطر، ولعله عبر فيه باليدين : اليمنى واليسرى، لدلالته-
٤٤


الصفحة التالية
Icon