فإنه لو أسل ذا سن قالوا مثل ذلك، وهل مثل ذلك محل العجب! ﴿أكان﴾ أى بوجه من الوجوه ﴿للناس عجباً﴾ أى الذين فيهم اهلية التحرك إلى المعالي، والعجب : تغير النفس بما لا يعف سببه مما خرج عن العادة ؛ ثم ذكر الحامل على العجب وهو اسم " كان " فقال بعد ما حصل لهم شوق إليه :﴿أن أوحينا﴾ أي ألقينا أوامرنا بما لنا من العظمة بواسطةو رسلنا في خفاء منهين ﴿إلى رجل﴾ أى هو في غاية الرجولية، وهو مع ذلك ﴿منهم﴾ بحيث إنهم يعرفون جميع أمره كما فعلنا بمن قبلهم والملك العظيم المُلك المالك التام الملك لا اعتراض عليه فيما به تظهر خصوصيته من إعلاء من شاء.
ولما كان في افيحاء معنى القول، فسره بقوله ﴿ان أنذر الناس﴾ أي عامة، وهم الذين تقدم نداءهم أول البقرة، ما أمامهم من البعث وغيره إن لم يؤمنوا أصلاً أو إيماناً
٤١٣
خالصاً ينفي كل معصية صغيرة او كبيرة وكل هفوة جليلة أو حقيرة على اختلاف الرتب وتباين المقامات ﴿وبشر﴾ أي خص ﴿الذين آمنوا﴾ أي اوجدوا هذا الوصف وعملوا تصديقاً لدعواهم له الصالحات، أى من الأعمال اللسانية وغيرها، بالبشارة بقبول حسناتهم وتكفير سيئاتهم والتجاوز عن هفواتهم وترفع درحجاتهم كما كان إرسال الرسل قبله وكما هو مقتضى العدل في إثابة الطائع الطائع وعتاب العاصي، والإنذار : افعلام بما ينبغي ان يحذر منه، والتبشير : التعريف بما فيه السرور، واضاف القدم-الذي هو السابقة بالطاعة-إلى الصدق في قوله تعالى موصلاً لفعل البشارة إلى المبشر به دون حرف جر :﴿أن لهم﴾ أي خاصة ﴿قدم صدق﴾ أى عمالاً حقة ثابته قدموها لأنفسهم صدوا فيها وأخلصوا فيما يسّروا له لأنهم خلقوا له وكان مما يسعى إليه بالإقدام، وزاد في البشارة بقوله :﴿عند ربهم﴾ ففي إضافة القدم تنبيه على أنه يجب أن يخلص له الطاعة كإخلاص الصدق من شوائب الكذب، وفي التعبير بصفة الإحسان إشارة إلى المضاعفة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١١