ولما ثبت أن الرسول وام أرسل به على وفق اعادة، انتفى أن يكون عجباً من هذه الجهة، فصار المحل قابلاً لأن يتعجب منهم فيقال : ما قالوا حين اظهروا العجب ؟ومن أيّ وجه رأوه عجباً ؟فقيل :﴿قال الكافرون﴾ أى الراسخون في هذا الوصف منهم وتبعهم غيرهم مؤكدين ماحق قولهم من الإنكار ﴿إن هذا﴾ أي القول وما تضمنه من الإخبار بما لا يعرف من البعث وغيره ﴿لسحر﴾ أى محمد لساحر-كما في قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي ﴿مبين*﴾ أى ظاهر في نفسه، وهو من شدة ظهوره مظهر لكل شيء أنه كذلك، فجاؤوابما هو في غاية البعد عن وصفه، فإن السحر قد تقرر لكل ذي لب انه - مع كونه تمويهاً لا حقيقة له - شر محض ليس فيه شيء من الحكمة فضلاَ عن ان يمتطي الذروة منه مع أن في ذلك ادعاءهم أمراً متنافضاً، وهو أنه من قول البشر كما هي العادة في السحر، وانهم عاجزون عنه، لأن السحر فعل تخفي الحيلة فيه حتى يتوهم الإعجاز به، فقد اعترفوا بالعجز عنه وكذبوا في ادعاء أنه لسحر لأن الآتي به منهم لم يفارقهم قط وما خالط عالماً لا بسحر ولا غيره حتى يخالطهم فيه شبهة، فهم يعلمون ان قولهم في غاية الفساد، فشرع سبحانه يقيم الدليل على بطلان قولهم من أنه - مع ما تضمنه من البعث-سحر، وعلى حقيقة انه من عنده من غير شبهة، وعلى أن الرسالة لا عجب فيها، لأنه سبحانه خلق الوجود كله وهو نافذ الأمر فيه وقد ابتلى من فيه من العقلاء ليردهم إليه ويحاسبهم فإنه لم يخلقهم سدى لأنه حكيم، فلا بد من رسول يخبرهم بما يرضيه وما يغضبه لتقوم بذلك الحجة فقال :﴿إن ربكم﴾ أي الموجد لكم
٤١٤


الصفحة التالية
Icon