والمربي والمحسن ﴿الله﴾ أي من ربى شيئاً ينبغي أن يكون حكيماً وقادراً على أسباب صلاحه، فأيقظوا أنفسكم من سنة غفلتها تعلموا أن هذا الكتاب من عند لذي له العظمة كلها قطعاً، وأنه قادر على بعثكم لأنه ربكم ﴿الذي﴾ على اتساعها وكثرة ما فيها من المنافع ﴿في ستة أيام﴾ لحكمه أرادها على أن ذلك وقت يسير لا بفعل مثل ذلك في مثله إلا من لا يعجزه شيء.
ولما أوجد سبحانه هذا الخلق الكثير المتباعد الأقطار الواسع الانتشار المفتقر إلى عظيم التدبير ولطيف اتصريف والتقدير، عبر سبحانه عن علمه فيه عمل الملوك في ممالكهم بقوله مشيراً إلى عظمته بأداة التراخي :﴿ثم استوى﴾ أي عمل في تدبيره وإتقان ما فيه وإحكامه عمل المعتني بذلك ﴿على العرش﴾ المتقدم وصفه بالعظمة، وليست " ثم " للترتيب بل كناية عن علو الرتبة وبعد منالها ؛ ثم بين ذلك الاستواء بقوله :﴿يدبر﴾ لأن التدبير أعدل أحوال الملك فالاستواء كناية عنه ﴿الأمر﴾ كله فلا يخفي عليه عاقبة أمر من الأمور، فحصل الأمن بهذا من أن يفعل شيء بغير علمه، لأن التدبير تنزل الأمور في مراتبها على إحكام عواقبها، وهو مع ذلك منزه عما تعرفونه من أحوال الملوك من أنه يكون في ممالكهم من يقضي بعض الأمور بغير إذن منهم وإن علموا به لعجزهم عن المجاهرة بإدامة دفعه، بل هو متصف بأنه ﴿ما من شفيع﴾ أى وغن كان بليغ الاتصاف بذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١١