ولما كان تمام قهره وعظيم سلطانه لا يفيد احداً عند إنه له إذناً عاماً لجميع الأزمان والأماكن، أتى بالجار فقال :﴿إلا من بعد إذنه﴾ فإذا لم يقدر شفيع على الكلام في الشفاعة إلا بإذنه فكيف يقدر احد أن يأتي بشء من الأشياء بغير إذنه فكيف ياتي بكتاب حكيم ليس من عنده يعجز الخلق عن معارضته، فحصل الأمن ان يكون غيره قاله أو شفع فيمن ابلغه من غير إرادة منه سبحانه، فتحرر أنه ليس إلا من عنده وأنه أمر بإبلاغه، وقد عرف من هذا أن ﴿ما من شفيع﴾ في موضع الدلالة على أنه لا يخرج عن تدبيره أمر من الأمور ولا يغلبه شيء اصلاً فبطل ما كانوا يقولون في الأصنام من الشفاعة وغيرها والشفيع : السائل في غيره بتبليغ منزلة من عفو او زيادة منزلة، وقد وقع ذكر الكتاب والرسول والعرش مرتباً في أول هذه على ما رتب آخر تلك ؛ فلما تقرر ما وصف به من العظمة التي لا يشاركه فيها أحد، وجب ان يعبد عبادة لا يشاركه فيها شيء، فنبه على ذلك بقوله :﴿ذلكم﴾ أي العظيم الشأن العالي المراتب ﴿الله﴾ أي الملك الأعلى ﴿ربكم﴾ الذي تقرر له من الغعظمة والإحسان بالإيجاد والتربية ما لا يبلغه
٤١٥
وصف ﴿فاعبدوه﴾ أي فخُّصوه بالعبادة فإن عبادتكم مع الإشراك ليست عبادة، ولولا فضله لم يكن لمن زل ادنى زلة طاعة.