فقد لاح بما ذكر ما تعين في اثناء السورة بتكريره لتوضيحه وتقريره-أن مقصودها وصف الكتاب بما يدل قطعاً على أنه من عنده سبحانه وبإذنه، لأنه لا غائب من علمه ولا مدني لقدرته ولا مجترء على عظمته، وأنه تام القدرة متفرد بالخلق والأمر فهو قادر على الإعادة كما قدر على الابتداء، وأن المراد بالكتاب البشارة والنذارة للفوز عند البعث والنجاة من غوائل يوم الحشر مع أنه سبحانه نافذ القضاء، فلا تغنى الآيات والدلالات البينات عمن حكم بشقاوته وقضى بغوايته، وأن ذلك من حكمته وعدله فيجب التسليم لأمره وقطع الهمم عن سواه ؛ ثم شرع سبحانه يقرر امر بدئه للخلق وغعادته في سياق مذكر بالنعم التي يجب شكرها، ويسمى المعرض عن شكره كافراً فقال :﴿هو﴾ أي غيره ﴿الذي جعل﴾ أي بما هيأ من الأسباب ﴿الشمس﴾.
ولما كان النور كيفية قابلة للشدة والضعف، خالف سبحانه في الأسماء مما يدل على ذلك فقال نور الشمس ﴿ضياء﴾ أى ذات نور قوي ساطع وقدها منازل، هكذا التقدير، لكن لما كانت في تقلبها بطيئة بالنسبة إلى القمر ذكره دونها فقال :﴿والقمر﴾ أي وجعل القمر ﴿نوراً﴾ أي ذا نور من نورها ﴿وقدره﴾ أي وزاده عليها بأن قدره مسيرة ﴿منازل﴾ سريعاً يقبله فيها، وباختلاف حاله في زيادة نوره ونقصانه تختلف أحوال الرطوبات والحرارات التي دبر الله بها هذا الوجود - إلى غير ذلك من الأسرار التي هي فرع وجود الليل والنهار ﴿لتعلموا﴾ بذلك علماً سهلاً ﴿عدد السنين﴾ أي
٤١٧
المنقسمة إلى الفصول الأربعة وما يتصل بذلك من الشهور وغيرها ليمكن لكم تدبير المعاش في أحوال الفصول وغيرها ﴿والحساب﴾ أي ذلك مما يدل على بعض تدبيره سبحانه.