ولما أُشير بالآية إلى انقراض الدنيا بأن الحادث لا ثبات له، وقام الدليل القطعي على المعادن، ناسب تعقيبهابعيب من اطمأن إليها في سياق مبين أن سبب الطمأنيية إنكار الطمأنينة اعتقاداً أو حالاً ؛ ولما كانت ختم تلك ب ﴿يتقون﴾ لاح ان ثمّ من يتقى ومن لا يتقي ؛ ولما كان الغرور اكثر، بدأ به تنفيراً عن حاله، لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، فقال مؤكداً لأجل إنكارهم :﴿إن الذين﴾ ولما كان الخوف والرجاء معدن السعادة، وكان الرجاء اقرب إلى الحث على الإقبال، قال مصرحاً بالرجاء ملوحاً إلى الخوف :﴿لا يرجون لقاءنا﴾ بالعبث بعد الموت ولا يخافون ما لنا من العظمة ﴿ورضوا﴾ أي عوضاً عن الاخرة ﴿بالحياة الدنيا﴾ أي فعملوا لها عمل المقيم فيها مع ما إشتملت عليه مما يدل على حقارتها ﴿واطمأنوا﴾ إليها مع الرضى ﴿بها﴾ طمأنينة من لا يزعج عنها مع ما يشاهدونه مع سرعة زوالها ﴿والذين هم﴾ أي خاصة ﴿عن آياتنا﴾ أي على ما لها من العظمة لا عن غيرها من الأحوال الدنّية الفانية ﴿غافلون﴾ أى غريقون في الغفلة، وتضمن قوله تعالى استئنافاً :﴿أولئك﴾ أى البعداء البغضاء ﴿مأوهم النار بما﴾
٤١٩
أي بسبب ما ﴿كانوا﴾ أى جبلة وطبعاً ﴿يكسبون﴾ فإن كسبهم ضلال-أنه لا يعالجهم بالعقاب على تأخير المتاب، وجعلت ملاقاة ما لا يقدر إلا الله تفخيماً لشأنها كما جعل إتيان جلائل آيات الله في قوله :﴿إلا يأتيهم الله في ظِلل من الغمام﴾ [البقرة : ٢١٠] ونحوه، والاطمئنان : الركون إلى الشيء على تمكن فيه، فهؤلاء مكنوا الأحوال للدنيافصار فرحهم وسخطهم لها ؛ والغفلة : ذهاب المعنى عن القلب بما يضاد حضوره إياه، واليقضة نقيضها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤١٨


الصفحة التالية
Icon