ولما أشير في هذه الآية إلى تنزهه تعالى وعلوه وتفرده بنعوت الكمال، ودل بختمها بالحمدِ على إغحاطته وبرب العالمين على تمام قدرته وحسن تدبيره في ابتدائه وإعادته، اتبعت بما يدل على ذلك من لطفه في معاملته من أنه لا يفعل شيئاً قبل أوانه لأن الاستعجال من سمات الاحتياج.
بل وروى أبو يعلى وأحمد بن بن منيع عن أنس رضي الله عنه ان النبي ﷺ قال "التأني من الله والعجلة من الشيطان" قال شيخنا ابن حجر : وفي الباب عن سهل وسعد رضي الله عنهما فقال تعالى عاطفاً على قوله ﴿يدبرالأمر﴾ ما معناه أنه تعالى يفعل فعل من ينظر في ادبار فلا يفعل إلاّ ما هو في غاية الإحكام، فهو لا يعاجل العصاة بل يمهلهم ويسبغ عليهم النعم وهم في حال عصيانهم له أضل من النَّعم يطلبون خبراته ويستعجلونه بها :﴿ولو يعجل الله﴾ أى المحيط بصفات الكمال ﴿للناس﴾ أى الذين اتخذوا القرآن عجباً لما لهم من صفة الاضطراب ﴿الشر استعجالهم﴾ أى عاملاً في إرادته لإيقاع الشر بهم مثل عملهم في إرادتهم وطلبهم العجلة ﴿بالخير لقضى﴾ أى حُتم وبت وأدى، بناه للمفعول في قراءة
٤٢١
الجماعة دلالة على هوانه عنده، ولأن مجرد فراغه لا كونه من معين.
وبناه ابن عامر للفاعل ونصب الأجل ﴿إليهم﴾ إي الناس خاصة ﴿أجلهم﴾ أي عمرهم أو آخر لحظة تكون منه، فأهلك من في الأرض فاختل النظام الذي دبره، ولكنه لا يفعل إلاّ ما تقدم من إمهاله لهم إلى ما سمي من الآجال المتفاوتة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٢٠
وذلك سبب إضلال من يريد ضلاله.
ولعل التعبير بنون العظمة في ﴿فنذر﴾ إشارة إلى أن الأمر في غاية الظهور ؛ فكان القياس هداهم لكثرة ما عليه من الدلائل الظاهرة ولكنه تعالى أراد ضلالهم وهو من العظمة بحيث لا يعجزه شيء.
ويجوز ان يكون معطوفاً على قوله ﴿أولئك مأواهم النار﴾ لأن معناه : أولئك يمهلهم الله إلى انقضاء ما ضرب لهم من الآجال مع مبالغتهم في الإعراض.