ولما بين تعالى دأبهم استعجالهم بالخير، وكان منه استكشاف الضر، بينَ أن حالهم عندهالاعتراف، وشكرهم على النجاة منه افنكار الآراء وسلامة الطباع، فالحاصل أن الانسان عند البلاء غير شاكر، فكأنه قيل : فإذا مس الإنسان منهم الخير كان في غفلة بالفرح والأشر والمرح ﴿وإذا مسَّ الإنسان﴾ منهم ﴿الضر﴾ وإن كان من جهة يتوقعها لطغيان هو فيه ولا ينزع عنه خوفاً مما يتوقعه من حلول الضر لشدةة طغيانه وجهله ﴿دعانا﴾ مخلصاً معترفاً بحقنا عالماً بما لنا من كمال العظمة عاملاً بذلك معرضاً عما ادعاه شريكاً لنا كائناً ﴿لجنبه﴾ أي مضطجعاً حال إرادته للراحة، وكأنه عبر باللام إشارة إلى أن ذلك أسر أحواله إليه ﴿أو قاعداً﴾ أي متوسطاً في احواله ﴿أو قآئماً﴾ أي في غاية السعي في مهماته، لا يشغله عن ذلك شيء في حال من الأحوال، بل يكون ظرف المس بالضر، قال : لجنبيه، إشارة إلى استحكام الضر وغلبته بحيث لا يستطيع جلوساً كما يقال : فلان لما به، وأشار بالفاء إلى قرب زمن الكشف فقال :﴿فلما كشفنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿عنه ضره﴾ أي الذي دعانا لأجله ﴿مرّ﴾ أي في كل ما يريده لاهياً عنا بكل اعتبار ﴿كأن﴾ أي كأنه ﴿لم يدعنآ﴾ أي على ما كان يعترف به وقت الدعاء من عظمتنا ؛ ولما كان المدعو يأتي إلى الداعي فيعمل ما دعاه لأجله قال :﴿إلى﴾ أي كشف ﴿ضر مسه﴾ أي كأن لم يكن له نبا معرفة أصلاً فضلاً عن ان يعترف بانا نحن كشفنا عنه ضره، فهذه الآية في بيان ضعف الإنسان وسوء عبوديته، والتي قبلها في بيان قدرة الله وحسن ربوبيته ؛ والمسُ : لقاء من غير فصل ؛ والدعاء : طلب الفعل من القادر عليه ؛ والضر : إيجاب الألم أو السبب المؤدي إليه.
ولما كان هذا من فعل الإنسان من أعجب العجب.
كان كأنه قيل : لم يفعل ذلك ؟ فقيل : لما يزين له من الأمور التي يقع بها الاستدراج لإسرافه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٢٣


الصفحة التالية
Icon