وهذا دأبنا أبداً ﴿كذلك﴾ أي مثل هذا التزيين العظيم الرتبة ؛ ولما كان الضار مطلق التزيين، بنى للمفعول قوله :﴿زين للمسرفين﴾ أي كلهم العريقين في هذا الوصف ﴿ما كانوا﴾ أي بجبلاتهم ﴿يعملون﴾ أي يقبلون عليه على سبيل التجديد والاستمرار من المعصية بالكفر وغيره مع ظهور فساده ووضوح ضرره ؛ والإسراف : الإكثار من الخروج عن العدل.
ولما كان محط نظرهم الدنيا، وكان هذا صريحاً في الإمهال للظالمين والإحسان إلى المجرمين، اتبعه بقوله تعالى مهدداً لهم رادعاً عما هم فيه من اتباع الزينة مؤكداً
٤٢٣
لأنهم ينكرون أن هلاكهم لأجل ظلمهم :﴿ولقد أهلكنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿القرون﴾ أي على ما لهم من الشدة والقوة ؛ ولما كان المهلكون هلاك العذاب المستأصل بعض من تقدم، أثبت الجار فقال :﴿من قلبكم لما ظلموا﴾ أي تكامل ظلمهم إهلاكاً عم آخرهم وأولهم كنفس واحدة دفعاً لتوهم أنه سبحانه لا يعم بالهلاك، وقال تعالى عطفاً على ﴿أهلكنا﴾ :﴿وجآءتهم رسلهم﴾ أي إلى كل أمة رسولها ﴿بالبينات﴾ أي التي بينت بمثلها الرسالة ﴿وما﴾ أي والحال أنهم ما ﴿كانوا﴾ أي بجبلاتهم، وأكد النفي بمن ينكر أن يتأخر إيمانهم عن البيان فقال :﴿ليؤمنوا﴾ ولو جاءتهم كل آيى، تنبيهاً لمن قد يطلب أنه سبحانه يريهم بوادر العذاب او ما اقترحوه من الآيات ليؤمنوا، فبين سبحانه أن ذلك لا يكون سبباً لإيمان من قضى بكفره، بل يستوي في التكذيب حاله قبل مجيء الأيات وبعدها ليكون سبباً لهلاكخ.
فكأنه قيل : هل يختص ذلك بالأمم الماضية ؟فقيل : بل ﴿كذلك﴾ أى مثل ذلك الجزاء العظيم ﴿نجزي القوم﴾ أي الذين لهم قوة على حاولة ما يريدونه ﴿المجرمين﴾ لأن السبب هو العراقة فيما لا يتخلص منه من العذاب ؛ والقرن : أهل العصر لمقارنة بعضهم لبعض.


الصفحة التالية
Icon