ولما كان السياق للتهديد والتخويف، قدم الضر لذلك وتنبيهاً لهم على انهم مغمورون في نعمه التي لا قدرة لغيره على منع شيء منها، فعليهم ان يقيدوها بالشكر فقال :﴿مالا يضرهم﴾ أى أصلاًمن الأصنام وغيرها ﴿ولا ينفعهم﴾ في معارضة القرآن معاقباً على المعصية وإلا كانت عبادته عبثاً، معرضين عما جاءهم من الآيات البينات من عند من يعلمون أنه يضرهم وينفعهم ولا يملك شيئاً من ذلك احد سواه، وقد أقام الأدلة على ذلك غير مرة، وفي هذا غاية التبكيت لهم بمنابذة العقل مع غدعائهم رسوخ الأقدام فيه وتمكن المجال منه ؛ والعبادة : خضوع بالقلب في أعلى مراتب الخضوع ؛ ثم عجب منهم تعجباً آخر فقال :﴿ويقولون﴾ أي لم يكفهم قوله ذلك مرة من الدهر حتى يجددوا قوله مستمرين عليه :﴿هؤلاء﴾ أي الأصنام او غيرهم ﴿شفعاؤنا﴾ أي ثابته شفاعتهم لنا ﴿عند الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا يمكن الدنو من شيء من حضرته إلا بإذنه، وقد تخجيلهم في العجز عن تبديل القرآن او الإتيان بشيء من مثله حيث لم تنفعهم فيذلك فصاحتهم ولا أغنت عنهم شيئاً بلاغتهم، وأعوزهم في شأنه فصحاءهم، وضل عنهم شفعاءهم، فدل ذلك قطعاً على أنه ما من شفيع إلا بإذنه من بعد، فكأنه قال : بماذا أجيبهم ؟فقال :﴿قل﴾ منكراً عليهم هذا العلم ﴿أتنبئون﴾ أي تخبرون إخباراً عظيماً ﴿الله﴾ وهو العالم بكل شيء المحيط بكل كمال ﴿بما لا يعلم﴾ أي لا يوجد له به علم في وقت من الأوقات ﴿في السموات﴾ ولما كان الحال مقتضياً لغاية الإيضاح، كرر النافي تصريحاً فقال :﴿ولا في الأرض﴾ وفي ذلك من الاستخفاف بعقولهم مما لا يقدرون على الطعن فيه بوجه ما يخجل الجماد، فإن ما لا يكون معلوماً لله لا يكون له وجود اصلاً، فلا نفى أبلغ من هذا كما أنك إذا بالغت في نفي شيء عن نفسك تقول : هذا شيء ما عمله الله مني.


الصفحة التالية
Icon