ولما كان العطب بأحوال البحر اظهر مع ان السير فيه من اكبر الآيات وأوضح البينات، بينه معرضاً عن ذكر البر فقال :﴿حتى إذا كنتم﴾ أي كوناً لا براح لكم منه ﴿في الفلك﴾ أى السفن، يكون واحداً وجمعاً ؛ وأعرض عنهم بعد الإقبال لما سيأتي فقال :﴿وجرين﴾ أي الفلك ؛ ﴿بهم﴾ ولما ذكر جريها وهم فيها، ذكر سببه فقال :﴿بريح طيبة﴾ ثم أوضح لهم عدم علمهم بالعواقب بقوله :﴿وفرحوا بها﴾ أي بتلك الريح وبالفلك الجارية بها ﴿جاءتها ريح عاصف﴾ فأزعجت سفنهم وساءتهم ﴿وجاءهم الكوج﴾ أي المعروف لكل احد بالرؤية او الوصف ﴿من كل مكان﴾ أى يعتاد الإتيان منه فأرجف قلوبهم ﴿وظنوا انهم﴾ ولما كان المخوف الهلاك، لا كونه من معين، بيني للمفعول ما هو كناية عنه لأن العدو إذا أحاط بعدوه أيقن بالهلاك فقال :﴿احيط بهم.
﴾ ولما كان ما تقدم من حالهم الغربية التي تجب لها القلوب وتضعف عندها القوى - مقتضياً لأن يسأل عما يكون منهم عند ذلك، أتى المقال على مقتضى هذا السؤال مخبراً عن تركهم العناد وإخلاصهم الدال على جزعهم عند سطواته وانحلال عزائمهم في مشاهدة ضرباته، وعبارة لرماني : اتصال الأجوبة، كأنه قيل : لما ظنوا انهم احيط بهم ﴿دعواالله﴾ أي الذي له صفات الكمال بالرغبة إليه في الخلاص والعبادة له بالإخلاص ﴿مخلصين﴾ أي عن كل شرك ﴿له الدين *﴾ أي التوحيد والتصديق بالظاهر والباطن، وقد تضمنت الآية البيان عما يوجبه بديهة العقل من الفزع عند الشدة إلى واهب السلامة ومسبغ النعمة في كشف تلك البلية ؛ ثم أتبع سبحانه ذلك حكاية حالهم في وعدهم الشكر على النجاة ثم كذبهم في ذلك مع إدعائهم أنهم أطهر الناس ذيولاً عن الكذب وأشدهم استقباحاً له وأبعد الناس من كفران الإحسان، فقال تعالى حاكياً قولهم الذي دلُّوا بتأكيدهم له أنهم قالوه بغاية الرغبة نافين ما يظن بهم من الرجوع إلى ما كانوا فيه قبل تلك الحال من الكفر :﴿لئن أنجيتنا﴾ أي أيها الملك الذي لا سلطان لغيره ﴿من هذه﴾ اي