وانقراض نعيمها بعد عظيم إقباله ﴿كماء أنزلناه﴾ أي بما لنا من العظمة وحقق أمره وبينه بقوله :﴿من السماء﴾ فشبهه بأمر النبات وانه قليل يبلغ منتهاه فتصبح الأرض منه بلاقع بعد ذلك الاخضرار والينوع، وفي ذلك إشارة إلى البعث وإلى أنه تعالى قادر على ضربة قبل نهايته أو بعدها ببعض الآفات كما يوجد في بعض السنين، فيقفرون منه ويفتقرون إليه، وفي ذلك تحذيرعظيم ﴿فاختلط﴾ أس بسبب إنزالنا له ﴿به﴾ أى بسبب تلبية ولطافته ﴿نبات الأرض﴾ عموماً في بطنها ﴿مما يأكل الناس﴾ أي كافة ﴿والأنعام﴾ من الحبوب والثمار والبقول فظهر على وجهها ﴿حتى﴾ ولم يزل كذلك ينمو ويزيد في الحسن والجرم ؛ ولما كان الخصب هو الأصل، عبر عنه بأداة التحقيق فقال :﴿إذا﴾ ولما كانت بهجة النبات تابعة للخصب، فكان الماء كأنه يعطيها إياها فتأخذه، قال :﴿أخذت الأرض﴾ أي التي لها أهلية النبات ﴿زخرفها وازينت﴾ بأنواع ذلك النبات زينة منها الجلي ومنها الخفي-بما يفهمه الإدغام ﴿وظن أهلها﴾ أي ظناً مؤكداً جداً بما أفاده العدول عن " قدرتهم " إلى ﴿انهم قادرون﴾ أي ثابته قدرتهم ﴿عليها﴾ باجتناء الثمرة من ذلك النبات وغاب عنهم لجهلهم علم العاقبة، فلما كان ذلك ﴿أتاها امرنا﴾ أى الذي لا يرد من البرد أو الحر المفرطين ﴿ليلاً أو نهاراً فجعلناها﴾ أي زرعها وزينتها بعظمتها بسبب ذلك الأمر وتعقيبه بالإهلاك ﴿حصيداً﴾ وعبر بما فهمه فعيل من المبالغة والثبات بقوله :﴿كأن﴾ أى كأنها ﴿لم تغن﴾ أي لم تكن غانية أي ساكنة حسنة غنية ذات وفر مطلوبة مرغوبة فيها أي زرعها وزينتها ﴿بالأمس﴾ فكان حال الدنيا في سرعة انقضائها وانقراض نعيمها بعد عظيم إقباله كحال نبات الأرض في جفافه وذهابه حطاماً بعد ما التف وزين الأرض بخضرته والوانه وبهجته.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٢