ولما كان هذا المثل في غاية المطابقة للساعة، هز السامع له فازداد عجبه من حسن تفصيله بعد تأصيله فقيل جواباً له :﴿كذلك﴾ أى مثل هذا التفصيل الباهر ﴿نفصل﴾ أى تفصيلاً عظيماً ﴿الآيات لقوم﴾ أي ناس أقوياء فيهم قوة المحاولة لما يريدون ﴿يتفكرون*﴾ أي يجدون الفكر على وجه الاستمرار والمبالغة ؛ والمثل : قول سائر يشبه فيه الحال الثاني بالأول ؛ والاختلاط : تداخل الأشياء بعضها في بعض ؛ والزخرف : حسن الألوان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٢
ولما قرر سبحانه هذه الآيات التي حذر فيها من أنواع الآفات، بين أن الدار التي رضوا بها وأطمأنوا إليها دار المصائب ومعدن الهلكات والمعاطب وأنها ظل زائل تحذيراً منها وتنفيراً عنها، بين تعالى ان الدار التي دعا إليها سالمه من كل نصب وهم ووصب، ثابته بلا زوال، فقال تعالى عاطفاً على قوله ﴿إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض﴾ ترغيباً في الآخرة وحثاً عيها :﴿والله﴾ أي الذي له الجلال والإكرام ﴿يدعوا﴾ أي يعلق دعاءه على سبيل التجدد والاستمرار بالمدعوين ﴿إلى دار السلام﴾ عن قتادة انه سبحانه أضافها إلى اسمه تعظيماً لها وترغيباً فيها، يعني بأناه لا عطب فيها أصلاً، والسلامة فيها دائمة، والسلام فيها فاش من بعضهم على بعض ومن الملائكة وغيرهم ؛ والدعاء : طلب الفعل بما يقع لأجله، والدواعي إلى الفعل خلاف الصوارف عنه.
ولما أعلم - بالدعوة بالهداية بالبيان وأفهم ختم الآية بقوله :﴿ويهدي من يشاء﴾ أى بما يخلق في قلبه من الهداية ﴿ إلى صراط مستقيم*﴾ ان من الناس من يهديه ومنهم من يضله.


الصفحة التالية
Icon