وأن الكل فاعلون لما يشاء-كان موضع أن يقال : هل هم واحد في جزائه كما هم واحد في الانقياد لمراده ؟فقيل : لا، بل هم فريقان :﴿لذين أحسنوا﴾ أي الأعمال في الدنيا منهم وهم من هداه ﴿الحسنى﴾ أي الخصلة التي هي في غاية الحسن من الجزاء ﴿وزيادة﴾ أي عظيمة من فضل الله فالناس : مزيد خرجت هدايته من الجهاد ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾ [العنكبوت : ٦٩] ومراد خرجت هدايته من المشيئة، فالدعوة إلى الجنة يالبيان عامة، والهداية إلى الصارط خاصة لأنها الطرق إلى المنعم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٣٤
ولما كان النعيم لا يتم إلاّبالدوام بالأمن من المضار قال :﴿ولا يرهق﴾ أي يغشي ويلحق ﴿وجوهرهم قتر﴾ أي غبره كغيره الموت وكربة، وهو تغير في الوجه معه سواد وعبوسة تركيبها غلبة ﴿ولا ذلة﴾ أي كآبةوكسوف يظهر منه الاكسار والهوان.
ولماكانهذا واضحاً في أنهم اهل السعادة، وصل به قوله :﴿أولئك﴾ أي العالو الرتبة ﴿أصحاب الجنة﴾ ولما كانت الصحبة جديرة بالملازمة، صرح بها في قوله :﴿هم﴾ أي لا غيرهم ﴿فيها﴾ أى خاصة ﴿خالدون﴾ أي مقيمون لا يبرحون، لأنهم لا يريدون ذلك لطيبها ولا يراد بهم.
٤٣٤
ولما بين حال الفضل فيمن احسن، بين حال العدل فيمن أساء فقال :﴿والذين كسبوا﴾ أي منهم ﴿السيئات﴾ أي المحيطة بهم ﴿جزآء سيئة﴾ أي منهم ﴿بمثلها﴾ عدل الله من غير زيادة ﴿وترهقهم ذلة﴾ أي من جملة جزائهم، فكأنه قيل : أما لهم انفكاك عن ذلك ؟ فقيل جوابا :﴿ما لهم من الله﴾ أى الملك الأعظم ؛ وأغرق في النفي فقال :﴿من عاصم﴾ أى يمنعهم من شيء يريده بهم.