المشوبة لا اعتداد بها ولا يرضاها جماد لو نطق، وإنمن استحق العبادة استحق الإخلاص فيها وأن لا يشرك به أحد وأنه لا يستحق ذلك إلاّ القادر على كشف الكرب والمنع من أن يقطع بينه وبين متوليه وعابده قاطع ؛ ولما كانت فائدة الشاهدة ضبط ما قد ينساه المتشاهدون، عللوا اكتفاءهم بشهادة الله بقوله :﴿إن كنا عن عبادتكم﴾ في تلك الأزمان ﴿لغافلين﴾ فأقروا لهم بما هو الحق مما كان يعلمه من له تأمل صحيح انهم لم يشعروا بعبادتهم ساعة من الدهر قبل ساعتهم هذه، فهم أجدر الخلق بالاكتفاء بشهادة الشهيد لأنهم أسوأ حالاً ممن يعلم المشهود به ويخشى النسيان، أو يقال : فقالالمشركون لشركائهم : إنا كنا نعبدكم فهل أنتم ناصرونا أو شافعون لنا فنجونا مما وقعنا فيه ﴿وقال شركاؤهم ماكنتم إيانا﴾ وحدنا ﴿تعبدون﴾ أي ما كنتم تخلصون لنا العبادة ﴿فكفى﴾ أي فتسبب عن ذلك أنه كفى ﴿بالله شهيداً بيننا وبينكم﴾ في ذلك، فكأن المشركين قالوا : قد تضمن كلامهم أن عبدناكم على غير منهج الإخلاص، أفليس قد عبدناكم ؟أفلا تغنون عنا شيئاً ؟ فأجاب الشركاء بقولهم :﴿بالله شهيداً بيننا وبينكم﴾ في ذلك، فكأن المشركين قالوا : تغنون عنا شيئاً ؟ فأجاب الشركاء بقولهم :﴿إن كنا عن عبادتكم﴾ خالصة كانت او مشوبة ﴿لغافلين﴾ فلا نقر لكم بعبادة اصلاً وإن تيقنا الإخلاص لسلب العلم عنا بما كنا فيه من الجمادية فضلاً عن أن نأمركم او نرضى بعبادتكم على أنه لا غناء عندنا على تقدير من التقادير ؛ أو يقال-وهو أحسن مما مضى - :﴿وقال شركاؤهم﴾ لما تحققوا العذاب طلقاً لأن يخفف عنهم منه بتوزيعه عليهم وعلى كل من عبدوه من غيرهم ﴿ما كنتم﴾ ايها العابدون لنا ﴿إيانا﴾ أي خاصة ﴿تعبدون﴾ بل كنتم تعبدون ايضاً غيرنا، وهذا يعم والله كل من يرائيه غيره بعمل وهو يعلم أنه يرائيه فيقره ولا ينكره عليه ؛ ولما افهموا بنفي العبادة بقيد الخصوص انهم كانوا يعبدون معهم غيرهم، وكن المخلوق قاصر العلم غير محيطه بوجهه بأحوال


الصفحة التالية
Icon