ولما كان مطلق ارد - وهو صرف الشيء إلى الموضع الذي ابتدأ منه - كافياً في الرهبة لمن له اب، بُني للمفعول قوله :﴿وردوآ﴾ أي بالبعث بالإحياء كما كانوا أولاً ﴿إلى الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿مولهم الحق﴾ فلم يكن لهم قدرة على قصدِ غيره ولا الالتفات إلى سواه من تلك الأباطيل، بل انقطع رجاءهم من كل ما كانوا يدعونه في الدنيا، وهو المراد بقوله :﴿وضَلَّ عنهم﴾ أي بطل وذهب وضاع ﴿ما كانوا﴾ أى كوناً هو جبلة لهم ﴿يفترون﴾ أي يتعمدون كذبه من أن معبوداتهم شركاء، وتيقنوا في ذلك المقام ان توليهنم لغير الله كان باطلاً غير حق ؛ والتنزيل : تفريق يزول به كل واحد عن مكانه، وهو من تفريق الجثث، وليس من الواوي، بل من اليائي، يقال : زلته عن الشيء أزيله - إذا فرقت بينه وبينه ؛ والكفاية : بلوغ مقدار الحاجة في دفع الأذية أو حصول المنفعة ؛ والإساف : تقدم أمر لما بعده ؛ والرد : الذهاب إلى الشيء بعد الذهاب عنه كالرجع ؛ والمولى : من يملك تولى أمر مولاه.
ولما تقدم سبحانه ان شركاءهم مربوبون مقهورون، لا قدرة لهم إلاّ على ما يقدرهم الله عليه، وأنه وحده المولى الحق، وبانت بذلك فضائحهم، أتبعه ذكر الدلائل على فساد مذهبهم، فوبخهم بأن وجه السؤال إليهم عما هم معترفون بأنه مختص به ويدل قطعاً على تفرده بجميع الأمر الموجب من غير وقفة لاعتقاد تفرده بالإلهية فقال :﴿قل﴾ أى يا أكرم خلقنا وأرفقهم بالعباد ﴿من يرزقكم﴾ أي يجلب لكم الخيرات ايها المنكرون للبعث المدعون للشركة ﴿من السمآء﴾ أي بالمطر وغيره من المنافع ﴿والأرض﴾ بالنبات وغيره لتعيشوا ﴿أمّن يملك السمع﴾ أى الذي تسمعون به الآيات،
٤٣٨
ووحده للتساوي فيه في الغالب ﴿والأبصار﴾ التي تبصرون بها ما أنعم عليكم به في خلقها ثم حفظها في المدد الطوال على كثرة الآفات فيفيضها عليكم لتكمل حيتكم الحسية ببقاء الروح، والمعنوية بوجود العلم ؛ روي عن علي رضي الله عنه انه قال : سبحانه من بصر بشحم، وأسمع بعظم، وأنطق بلحم.


الصفحة التالية
Icon