ولما كان الظن لا ينكر استعماله في الشرائع، نبه على أن محله إنما هو حيث لا يوجد نص على المقصود، فيقاس حينئذ على النصوص بطريقة، وأما إذا وجد القاطع في حكم فإنه لا يجوز العدول عنه بوجه من الوجوه فقال تعالى في جواب من يقول : او ليس الظن مستعملاً في كثير من الأحكام ؟ :﴿إن الظن لا يغني﴾ أي أصلاً ﴿من الحق﴾ أي الكامل ﴿شيئاً﴾ أي بدله، ولايكون بدل الحق إلا إذا كان تابعه مخالفاً فيه لقاطع يعمله.
ولما صار ظهور الفرق ضرورياً، أوقع تهديد المتمادي في غيه في جواب من كأنه قال : إن ذلك غير خفي عنهم ولكنهم يستكبرون فلا يرجعون، فقال :﴿إن الله﴾ أي المحيط بكل شيء ﴿عليم﴾ أي بالغ العلم ﴿بما يفعلون*﴾ فاصبر فلسوف يعملون.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٠
ولما قدم في هذه السورة قولهم ﴿لولا أنزل عليه آية من ربه﴾ وأتى فيها رداً عليهم ووعظاً لهم من الآيات البالغة في الحكمة جداً يتجاوز قوى البشر ويضمحل دونه من الخلق القدر، وكان آخر ذلك التنبيه على أن شركاءهم لا يهتدون إلا أن هداهم الهادي فضلاً عن أن يهدوا، وإقامة الدليل على أن مذاهبهم ليبست مستندة إلى علم بل هى تابعة للهوى، أتبع ذلك دليلاً قطعياً في أمر القرآن من أنه لا يصح أصلاً أن يؤتى به من دون امره سبحانه رداً قولهم : إنه مفترى، لأنه من وادي ما ختم به هذه الآيات من اتباعهم للظنون لأنه لا سند لهم في ذلك بل ولا شبهة اصلاً، وإنما هو مجرد هوى بل وأكثرهم عالم بالحق في أمره، فنفى ذلك بما يزيح الظنون ويدمغ الخصوم ولا يدع شبهة لمفتون، واثبت أنه هو الآية الكبرى والحقيق بالاتباع لنه هدى، فقال تعالى :
٤٤٢


الصفحة التالية
Icon