الجهد من الجن والإنس وغيرهم للمعاونة، وحقق أن هذا القرآن من عنده سبحانه باستثنائه في قوله :﴿من دون الله﴾ أي الذي له الكمال كله، ونبه على أنهم معتمدون لما نسبوه إليه - وحاشاه من تعمد الكذب - وأنهم معاندون بقوله :﴿إن كنتم﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿صادقين*﴾ أي في أنه أتى به من عنده، لأن العاقل لا يجزم بشيء إلا إذا كان عنده منه مخرج، وذلك لا يكون إلا عن دليل ظاهر وسلطان قاهر باهر، وقد مضى في البقرة ويأتي في هود إن شاء الله تعالى ما يوضح هذا المعنى ؛ والاستطاعة : حالة تتطاوع بها الجروح والقوى للفعل لأنه مأخوذ من الطوع ؛ ثم كان
٤٤٤
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٢
كأنه قيل : فقال لهم ذلك فلم يأتوا لقومهم بشبهة شكاً فضلاً عن مصدق، لأنه معجز لكونه كلاماً في أعلى طبقات البلاغة بحسن النظام والجزالة منزلاً من عند الله المحيط علماً وقدرة، فهو مشتمل من كل معنى على ما علا كل العلو عن مدان ﴿بل﴾ وأحسن من ذلك أنه لما أقام الدليل على أن القرآن كلامه، وكان الدليل إنما من شأنه أن يقام على من عرض له غلط او شبهة، وكان قولهم ﴿افتراه﴾ لا عن شبهة وإنما هو مجرد عناد، نبه سبحانه على ذلك وعلى أنه إنما أقام الدليل لإظهار عنادهم لا لأن عندهم شبهة في كونه حقاً بالإضراب عن قولهم فقال :﴿بل﴾ أي لم يقولوا ﴿افتراه﴾ عن اعتقاد منهم لذلك بل ﴿كذبوا﴾ أي أوقعوا التكذيب الذي لا تكذيب أشنع منه مسرعين في ذلك من غير ان يتفهموه مستهينين ﴿بما لم يحيطوا بعلمه﴾ أى في نظمه أو معناه من غير شبهة أصلاً بل عناداً وطغياناً ونفوراً مما يخالف دينهم وشراداً، فهو من باب " من جهل شيئاً عاداه " والإحاطة : إرادة ما هو كالحائط حول الشيء، فإحاطة العلم بالشيءالعلم به من جميع وجوهه.


الصفحة التالية
Icon