ولما ذكر سبحانه تكذيبهم، كان ذلك ربما أيأس من إذعانهم وتصديقهم، وآذن باستئصالهم لتكمل المشابهة للأولين، وكان صلى اله عليه وسلم شديد الشفقة عليهم والحرص على إيمانهم، فأتبعه تعالى بقوله بياناً لأن علمه بانقسامهم أوجب عدم استئصالهم عاطفاًعلى ﴿كذبوا﴾ :﴿ومنهم﴾ أي قومك ﴿من يؤمن به﴾ أي في المستقبل ﴿ومنهم من لا يؤمن به﴾ أي القرآن أصلاً ولو رأى كل آية ﴿وربك﴾ أي المحسن لإليك بالرفق بأمتك ﴿اعلم بالمفسدين*﴾ أى الذين هم عريقون في الإفساد فسيعاملهم بما يشفي صدرك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٢
ولما قسمتهم هذه الآية قسمين، وتليت بذكر القسم الثاني بالواو، عرف انه معطوف على مطوى القسم الأول، فكان كأنه قيل : فإن صدقوك فقل : الله ولى هدايتكم ولي مثل أجوركم بنسبتي فيها فضلاً من ربي :﴿وإن كذبوك فقل﴾ أي قول منصف معتمد على قادر عالم ﴿لي علمي﴾ بالإيمان والطاعة ﴿ولكم عملكم﴾ ما لأحد من ولا عليه من جزاء الآخر شيء ؛ ثم صرح بالمقصود من ذلك بقوله محذراً لهم :﴿أنتم بريئون مما أعمل﴾ أي فإن كان خيراً لم يكن لكم منه شيء وإن كان غيره لم يكن عليكم منه شيء ﴿وأنا بريء مما تعملون*﴾ لا جناح عليّ في شيء منه لأني لا أقدر على ردكم عنه ؛ والبراءة : قطع القلعة الذي يوجب رفع المطالبة، ولا حاجة إلى ادعاء نسخ هذه الآية بىية السيف، فإنه لا منافاة بينهما، لأن هذه في رفع لحاق الإثم وهو لا ينافي الجهاد.