ولما كان في هذه الآيات ما ذكر من أفانين جدالهم في أباطيلهم وضلالهم، وكان فهل ذلك-ممن لا يرى حشراً ولا جزاء ولانعيماً وراءا نعيم هذه الدار - فعل فارغ السر مستطيل للزمان آمن من نوازل الحدثان، حسن تعقيبه بأنهم يرون يوم الحشر من الأهوال ما يستقصرون معه مدة لبثهم في الدنيا، فقد خسروا إذن دنياهم بانزاع، وآخرتهم بالعذاب الذي لا يستطاع، وليس له انقطاع، فقال تعالى مهدداً لهؤلاء الكفار الذين يعاندون فلا يسمعون ولا يبصرون عاطفاًعلى ﴿ويوم الحشر﴾ الأولى :﴿ويوم نحشرهم﴾ أى واستقصروا مدة لبثهم في الدنيا يوم الحشر لما يستقبلهم من الأهوال والزلازل الطوال، فكأنه قيل : إلى أي غاية ؟ فقيل :﴿كأن﴾ أى كأنهم ﴿لم يلبثوا﴾ في دنياهم، والجملة في موضع الحال من ضمير ﴿نحشرهم﴾ البارز أى مشبهين بمن لم يلبثوا ﴿إلا ساعة﴾ أي حقيرة ﴿من النهار﴾ وقوله :﴿يتعارفون بينهم﴾ حال ثانية، أي لم بفدهم تلك الساعة أكثر من أن عرف فيها بعضهم بعضاًليزدادوا بذلك حسرة في ذلك اليوم بعدم القدرة على التناصر والتعاون والتظافر كما كانوا يفعلون في الدنيا.
ولما كانت حالهم هذه هي الخسارة التي ليس معها تجارة، فكان السامع متوقعاً للخبر عنها، قال متعجباً منهم موضع : ما أخسرهم :﴿قد خسر﴾ أى حقاً ﴿الذين كذبوا﴾ اظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف مستهنين ﴿بلقاء الله﴾ أي
٤٤٨
الملك الأعلى بما أخذوا من الدنيا من الخسيس الفاني وتركوا مما كشف لهم عنه البعث من النعيم الشريف الباقي ؛ ولما كان الذي وقع منه تكذيب مرة في الدهر قد يفيق بعد ذلك فيهتدي، قال عاطفاً على الصلة :﴿وما كانوا﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿مهتدين*﴾ مشيراً إلى تسفيههم فيما يدعون البصر فيه من أمر المتجر والمعرفة بأنواع الهداية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٦