ولما كان إخبار الصادق بهلاك الأعداء مقراً لعين، وكانت مشاهدة هلاكهم أقر لها، عطف على قوله ﴿قد خسر﴾ :﴿وإما نرينك﴾ أي إراءة عظيمة قبل وفاتك ﴿بعض الذي نعدهم﴾ أي في الدنيا بما نا من العظمة فهو اقر لعينك ﴿أو نتوفينك﴾ قبل ذلك ﴿فإلينا مرجعهم﴾ فنريك فيما هنلك ما هو أقر لعينك وأسر لقلبك، فالآية من الاحتباك : ذكر أولاً الإراءة دليلاً على حذفها ثانياً، والوفاة ثانياً دليلاً على حذفها أولاً ؛ و" ثم " في قوله :﴿ثم الله﴾ أى المحيط بكل شيء ﴿شهيد﴾ أي بالغ الشهادة ﴿على ما يفعلون*﴾ في الدارين - يمكنأن يكون على بابها، فتكون مشيرة إلى التراخي بين ابتداء رجوعهم بالموت وآخره إلى بالقيامة، ليس المراد بقوله ﴿شهيد﴾ ظاهره، بل العذاب الناشئ عن الششهادة في الآخرة إلى أن الله يعاقبهم بعد مرجعهم، فيريك ما بعدهم لأنه عالم بما يفعلون.
ولما كان في هذه الآية التهديد بالعذاب إما في الدنيا أو في الآخرة غير معين له ﷺ واحدةً منهما، أتبعها بما هو صالح للأمرين بالنسبة إلى رسول إشارة إلى أن أحوال الأمم على غير نظام فلذلك لم يجزم بتعيين واحدة من الدارين للجزاء، وجعل الأمر منوطاً بالقسط، ففي أي دار أحكم جعله فيها، فقال تعالى : دالاً على أنه نشر ذكر الإسلام وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر من عهد آدم عليه السلام إلى آخر الدهر على وجه لم يحصل له اندراس في دهر من الدهور، فمن تركه استحق العذاب سواء كان ممن بين عيسى ومحمد عليهما السلام أم لا، فلا تغتر بما يقال من غير هذا :﴿ولكل أمة﴾ أي من الأمم التي خلت قبلك ﴿رسول﴾ يدعوهم إلى الله ؛ ثم سبب عن إتيان رسولهم بيان القضاء فيهم فقال :﴿فإذا جاء﴾ أي إليهم ﴿رسولهم﴾ في الدنيا بالبينات والهدى ؛ وفي الآخرة في الموقف بالإخبار بما صنعوا به
٤٤٩


الصفحة التالية
Icon